[المطلب الثاني: المخالفون لأهل السنة في هذه القاعدة، والرد عليهم.]
لم يخالف في ثبوت الفطرة، وكون الرب سبحانه خلق عباده عليها أحد من المنتسبين للإسلام، وإنما اختلفوا في تفسير هذه الفطرة، وبعض الخلاف واقع في تفسيرها بين أهل السنة - كما تقدم -.
فذهبت المعتزلة إلى أن المراد بالفطرة أن الله سبحانه يخلق العبد قابلًا للأمرين، من غير أن يكون فيه ميل لأحدهما، وأنه هو الذي يختار الكفر أو الإيمان فيضل أو يهتدي، وأن الله لا يضله ولا يهديه.
فهم متفقون على أنه لا يولد أحد على الإسلام ولا على ضده، بل المسلم أحدث لنفسه الإسلام والكافر أحدث لنفسه الكفر، ولكن الله دعاهما إلى الإسلام، وأزاح عللهما وأقدرهما قدرة تصلح للضدين، ولم يختص المؤمن بسبب يقتضي حصول الإيمان منه (١).
قال القاضي عبد الجبار: "فإن قيل: أليس قد روي عن النبي صلى الله عليه: (كل مولود يولد على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه)؟ قلنا: هذا الخبر يدل على صحة ما نذهب إليه ولا تعلق لكم بهذا الخبر، ففيه أن كل مولود يولد على الفطرة، ومن مذهبكم أن بعض المولودين يولدون على الفطرة والبعض الآخر يولدون على الكفر، فكيف يصح قولكم ذلك؟ وفيه أيضًا أن أبويه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، ومن مذهبكم أنه تعالى المتولي كل ذلك، وأنه على الحقيقة يهوده ويمجسه وينصره. ثم نقول: إن المراد بالخبر أن أبويه يلقنانه اليهودية والنصرانية