للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: المخالفون لأهل السنة في هذه القاعدة، والرد عليهم.]

خالف أهل السنة في هذه القاعدة الجبرية من جهمية وأشاعرة، والقدرية المعتزلة.

فذهبت الجهمية إلى جواز تكليف ما لا يطاق مطلقًا من غير تفصيل.

قال الشهرستاني في حكاية مقالات الجهم: إن "الثواب والعقاب جبر، كما أن الأفعال كلها جبر، قال: وإذا ثبت الجبر فالتكليف أيضًا كان جبرًا" (١).

وهذا قول باطل مصادم للنصوص القطعية الدالة على أن الله سبحانه لا يكلف نفسًا إلا وسعها، على ما تقدم بيانه.

وذهب الأشاعرة إلى جواز التكليف بما لا يطاق بالجملة، قال الرازي: "قال أهل السنة [يريد الأشاعرة]: لا يمتنع تكليف ما لا يطاق، وقالت المعتزلة: إنه لا يجوز" (٢).

وعلة ذلك عندهم أنه لا يجب على الله سبحانه شيء ولا يقبح منه شيء؛ إذ يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه، إلا أنه عندهم مراتب (٣):

الأول: ما لا يطاق لعلم الله بعدم وقوعه أو لعدم إرادته له، أو للخبر عنه بأنه لا يقع، فإن مثله لا تتعلق به القدرة الحادثة لأن القدرة مع الفعل ولا تتعلق بالضدين.

قالوا: والتكليف بهذا جائز، بل هو واقع إجماعًا، إذ لو لم يكن واقعًا لما


(١) الملل والنحل (٩٨).
(٢) أصول الدين (٩١).
(٣) انظر: المواقف (٣٣٠ - ٣٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>