للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: المخالفون لأهل السنة في هذه القاعدة، والرد عليهم.]

الرضا بقضاء الله الذي هو فعله، وكذا الرضا بالمصائب والبلاء مما اتُّفق عليه، وإنما الخلاف في الرضا بالمعاصي والآثام، فقد غلط في ذلك طائفتان (١):

القدرية المعتزلة؛ فقد قالوا: إن الرضا بالقدر من أعظم المقامات، فلو كانت المعاصي بقضائه لكان ينبغي أن يُرضى بها، والرضا بالكفر والفسوق والعصيان لا يجوز باتفاق المسلمين، فعُلِم أن هذه ليست بقضائه.

فحملهم قولهم بعدم الرضا بالمعاصي على إخراجها عن أن تكون من قضائه.

ومما يبين ذلك من كتبهم أنهم جعلوا من أدلتهم على نفي خلق الله سبحانه لأفعال العباد أن الرضا بالقضاء واجب، وأفعال العباد فيها الظلم والقبيح، فوجب ألا تكون مرادة ولا مخلوقة له سبحانه.

قال القاضي عبد الجبار: "وأحد ما يدل على أن الله تعالى لا يجوز أن يكون مريدًا للمعاصي؛ هو أنه لو كان مريدًا لها لوجب أن يكون محبًّا لها وراضيًا بها، لأن المحبة والرضا والإرادة من باب واحد، بدلالة أنه لا فرق بين أن يقول القائل أحببت أو رضيت، وبين أن يقول: أردت، حتى لو أثبت أحدهما ونفى الآخر لعُد متناقضًا" (٢)، فالإرادة والمحبة والرضا - عندهم - متفقة في المعنى حقيقة (٣).


(١) انظر: جامع المسائل (٣/ ٢١٣ - ٢١٤)، وشفاء العليل (٢/ ٧٦٣ - ٧٦٦).
(٢) شرح الأصول الخمسة (٤٦٤)، وانظر: المغني (٦/ ٢٤١ - ٢٤٢ و ٣٤٦).
(٣) انظر: شرح الأصول الخمسة (٤٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>