فإن النار مثلًا إن لاقت محلًّا يصلح لأثرها أثرت فيه بالإحراق، والإحراق قوة فيها، وكذا الطعام؛ فيه قوة الإشباع، فإذا أكل أثَّر في الآكل بالإشباع.
وإثبات تأثير الأسباب هو معنى كونها ليست علامة محضة، وسيأتي في المطلب القادم حكاية هذا القول عن طائفة من أهل الأهواء.
[المسألة الثانية: مقدار التأثير.]
إذا ثبت أن للأسباب تأثيرًا في المسبَّبات، فما مقدار هذا التأثير؟
وقبل الجواب على هذا السؤال لا بد من معرفة أن التأثير لفظ مشترك بين معنيين (١):
الأول: التأثير التام في المسبَّب، بحيث يلزم من وجودِه وجودُ المسبَّب ومن عدَمِه عدَمُه، وهذا معنى كونه علة تامة.
الثاني: التأثير الناقص أو الجزئي، بحيث لا يلزم منه وجود المسبَّب، بل قد يعدم مع وجوده.
والذي يثبت للأسباب من ذلك الثاني دون الأول، إذ لا مؤثر تام إلا مشيئة الله ﷿، وما عداها فلا يعدو أن يكون مجرد سبب أو جزء سبب من أسباب كثيرة يكون بها الفعل، وهذا السبب لا بد له مع المعاونة من صرف الموانع.
فالأسباب لا تستقل بإيجاد الفعل، بل لا بد من وجود المعاون ودفع المانع.
فالماء سبب للزرع، وهو جزء من مجموعة أسباب كصلاح التراب