للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: المخالفون لأهل السنة في هذه القاعدة، والرد عليهم.]

تقدم أن تنزيه الله عن الظلم مما اتفق عليه المسلمون وسائر أهل الملل، والخلاف إنما هو في حقيقة هذا الظلم ومعناه.

فذهبت الجبرية من جهمية وأشاعرة إلى أن الظلم ليس بممكن الوجود، بل هو الممتنع مثل الجمع بين الضدين، ومثل كون الشيء موجودًا معدومًا، وكل ممكن إذا قدر وجوده من الرب سبحانه فإنه عدل، فالعدل هو الممكن.

قال البَاقِلاني (١): "الظلم والكذب والجور ليس من حيث الصورة والفعل، وإنما يكون كذبًا إذا خالف الأمر، وكذلك الجور والظلم، وهذا كله يصح الوصف به لمن فوقه آمر أمره، وناه نهاه، وهم الخلق. وأما الخالق فليس فوقه آمر ولا ناه، فلا يصح وصفه بشيء من هذا" (٢).

وقال الغزالي: "الظلم منفي عنه بطريق السلب المحض كما تسلب الغفلة عن الجدار والعبث عن الريح، فإن الظلم إنما يتصور ممن يمكن أن يصادف فحلى ملك غيره، ولا يتصور ذلك في حق الله تعالى، أو يمكن أن يكون عليه أمر فيخالف فعله أمر غيره، فلا يتصور من الإنسان أن يكون ظالمًا في ملك نفسه بكل ما يفعله إلا إذا خالف أمر الشرع، فيكون ظالمًا بهذا المعنى، فمن


(١) هو: أبو بكر، محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن قاسم البصري ثم البغدادي، المعروف بالباقلاني، أو ابن الباقلاني الأشعري، من كتبه: "الإنصاف"، و"التقريب والإرشاد"، مات سنة (٤٠٣ هـ).
انظر: تاريخ بغداد (٣/ ٣٦٤)، وسير أعلام النبلاء (١٧/ ١٩٠).
(٢) الإنصاف (١٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>