[المطلب الثاني: المخالفون لأهل السنة في هذه القاعدة، والرد عليهم.]
يخالف أهلَ السنة في هذه القاعدة من يخالفهم في باب الأسباب، وباب الحكمة، وباب الهدى والضلال؛ لما تقدم من العلاقة بينها وبين هذه القاعدة، إذ هذه القاعدة من القواعد الجامعة في باب القدر.
فهذا المعنى الذي تضمنته القاعدة وهو كون الرب سبحانه ييسر عباده لما شاء من يسر أو عسر بإلهامه هذا وهذا، وتهيئة أسباب هذا وهذا، هدى منه وإضلالًا، بناء على ما اقتضته حكمته جل وعلا؛ إنما أقر به أهل السنة فقط.
والمخالفة البارزة مخالفة القدرية المعتزلة؛ فإنهم لما كانوا يرون أن الله سبحانه لا يضل أحدًا ولا يهديه؛ فإنهم يجعلون التيسير هو البيان من الله وإزالة الموانع، والتمكين من الأمرين، لكن التيسير لليسرى يكون بألطاف من الله - مع ذلك - تحمل على الطاعة، والتيسير للعسرى يكون بالحرمان من تلك الألطاف.
قال القاضي عبد الجبار:"المراد بقوله تعالى: ﴿فَأَلْهَمَهَا﴾ أعلمها وبين لها الفجور لتجتنب ذلك، والتقوى لتُقدِم عليها"(١).
وقال في قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ٥ - ١٠]: "المراد باليسرى: الثواب العاجل والآجل، وبالعسرى: العقاب العاجل والآجل. . . ويحتمل أن يكون المراد فيمن صدق بالحسنى: تيسيره للألطاف التي لأجلها يثبت على الإيمان، وفيمن كذب الحسنى تيسيره لأمور