للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالجواب من وجوه:

الأول: أن الله فطر عباده على استحسان الحسن وبغض القبيح، فلو لم تكن الأفعال في نفسها حسنة وقبيحة لما أمكنهم التفريق بينها حبًّا وبغضًا، وهذا مما لا تقوم معه معايشهم، إذ الحسن والقبح ضدان في اللغة والعقل، فإذا لم يعرف حسن الأفعال من قبحها لم يتوجه الحب والبغض إلى شيء منها، فلا تتوجه حركاتهم إلى أحدهما - إذ الحركات مرجعها إلى المحبة وخلافها كما تقدم - مع ضرورة الناس إلى أحد هذين الضدين الموصوفين بالحسن والقبح.

الثاني: أن فاعل القبيح قبل ورود الشرع معيب منقوص، ليست حاله كحال من لم يفعله، وإن قدر أنه لن يعاقب عليه، فقد عاب الله سبحانه على المشركين أفعالهم القبيحة في جاهليتهم، كما قال تعالى: ﴿أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ١٧٠]، فذم آباءهم لفعلهم الشرك قبل البعثة، ولم يكتف بذم الفعل نفسه (١).

الثالث: أن فعل القبيح - على الصواب - سبب للعقوبة، وإن لم يعاقب به لانتفاء شرط الحجة، وذلك أن الله سبحانه فطر عباده على استحسان الحسن وقبح القبيح، فهم بمخالفتهم لما أودع الله في فطرهم من ذلك متسببون في العقوبة مستحقون لها، لكن انتفاء الشرط الذي هو الحجة منع من وجوبها (٢).

ومما يدل عليه قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [القصص: ٤٧].


(١) انظر: مجموع الفتاوى (١١/ ٦٨٦).
(٢) انظر: المصدر السابق، ومفتاح دار السعادة (٢/ ٤١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>