للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستأنف؟ قال: (لا بل بما جرَت به الأقلام وثبَتَت به المقادير). قال: ففيمَ العمل إذًا؟ قال: (اعملوا فكل ميسر).

قال سُرَاقة : فلا أكون أبدًا أشدَّ اجتهادًا في العمل مني الآن (١).

بيان ذلك: أن المقدور إنما يُنال بالسَّبب الذي نصَبَه الله ﷿ ليوصَل به إليه، فإذا أتى العبد بالسبب أوصله إلى القدر الذي سبَق له في أم الكتاب، وكلما زاد اجتهاده في تحصيل السبب كان حصول المقدور أدنى إليه، وهذا يدل على جلالة فقه الصحابة، ودِقَّة أفهامهم، وصحَّة علومهم (٢).

وما رواه أبو نعامة السعدي قال: "كنا عند أبي عثمان النَّهدي، فحمدنا الله تعالى وذكرناه، فقلت: لأنا بأول هذا الأمر أشد فرحًا منِّي بآخره، فقال: ثَبَّتَك الله! كنا عند سلمان فحمدنا الله تعالى وذكرناه، فقلت: لأنا بأول هذا الأمر أشد فرحًا مني بآخره، قال سلمان: ثَبَّتَك الله تعالى، إن الله تعالى لما خلق آدم مسح ظهره، فأخرج ما هو كائن إلى يوم القيامة، خلق الذكر والأنثى، والشقاوة والسعادة، والأرزاق والآجال والألوان، فَمِن عَلَم السعادة فعلُ الخير ومجالسُ الخير، ومن عَلَم الشقاوة فعلُ الشر ومجالسُ الشر" (٣).

قال ابن القيم : "وذلك لأنه إذا كان قد سبَق له من الله سابقة وهيَّأه ويسَّره للوصول إليها كان فرحه بالسابقة التي سبقت له من الله أعظمَ من فرحه بالأسباب التي تأتي بها، فإنها سبَقت له من الله قبل الوسيلة منه وعلمها


(١) رواه ابن حبان: كتاب البر والإحسان، باب ما جاء في الطاعات وثوابها، (٢/ ٤٩) ح (٣٣٧)، وأصله - بدون جملة سراقة الأخيرة - عند مسلم ح (٢٦٤٨).
(٢) انظر: شفاء العليل (١/ ١١٩ - ١٢٠).
(٣) رواه الفريابي (٦٠) رقم (٥١)، وابن بطة (٢/ ١٦٩) رقم (١٦٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>