للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما ما خيره ظاهر، كانتصار الدين ورفعته، وذل الكفر وانحطاطه؛ فالنفوس منه على برد ويقين، يطالعون فيه آلاء الله وحكمته، وعظم فضله ورحمته ومنته على خلقه.

وأما ما شره ظاهر، كتغلب الكفار على المسلمين، وحصول الذلة والمهانة والقتل لأولياء الله ؛ فقد يقع في بعض النفوس منه شيء، ويكون مدخلًا للشيطان عليها منه؛ يشككها في كمال ربها وما وعد به من نصرة الأنبياء وأتباعهم، وكسر أعدائهم، فيعمل بذلك على تبغيض الله إلى خلقه، وصرفهم عن صراطه المستقيم.

فيقابل أهل القرآن وعسكر الإيمان هذه الوساوس والتشكيكات بالإيمان بحكمة الله ، وأن له في تقدير هذه الشرور من الغايات الحميدة ما يستحق عليه أعظم الحمد وأجل الثناء، فلولا الإيمان بالحكمة وجعلها أصلًا محكمًا يرد إليه ما خفي وتشابه؛ لما تحقق الحب لله والثناء عليه، فصار للحكمة خصوصية من بين سائر صفات الكمال في ذلك.

فالله سبحانه "لما اشتملت عليه صفاته من الكمال، وأسماؤه من الحسن، وأفعاله من الحكم والغايات المقتضية لحمده، المطابقة لحكمته، الموافقة لمحابه. . . لا يصدر عنه إلا كل فعل كريم مطابق للحكمة موجب للحمد" (١).

وهذا يوضح المراد بكونها مظهرًا من مظاهر اتصافه بصفات الكمال، بل هي من أعظمها.

ونفي الحكمة نفي لأفعال الله ، إذ الحكمة هي الغاية، والفعل


(١) طريق الهجرتين (١/ ٣٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>