للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعند النظر في هذه الأدلة يلاحظ أن المعتزلة استدلوا بها على أمرين: على إثبات الاستطاعة المتقدمة، وعلى نفي الاستطاعة المقارنة.

أما دلالتها على إثبات الاستطاعة المتقدمة؛ فصحيحة لا إشكال فيها، النقلية منها، والعقلية في الجملة، حاشا الدليل الأخير؛ فإنه مبني على تشبيه الخالق بالمخلوق وهذا باطل.

وأما دلالتها على نفي الاستطاعة المقارنة فباطل من وجوه:

الأول: أن الأدلة الصحيحة الصريحة دلت على إثبات الاستطاعة المقارنة، كما دلت على إثبات الاستطاعة السابقة، فإثبات هذه ونفي هذه تشهٍّ وهوى.

الثاني: أن نفي الاستطاعة المقارنة يؤول إلى التسوية بين الفاعل والتارك؛ إذ لا استطاعة يختص بها الفاعل، وهذا باطل.

الثالث: أن القدرة السابقة إما أن تكون تامة أو غير تامة، فإن كانت تامة؛ لزم وجود الضدين إذ القدرة عليهما على السواء وهذا محال، وإن كانت ناقصة فهي غير موجبة للفعل، فيلزم وجود استطاعة أخرى تتممها، وهو المطلوب (١).

الرابع: أن القدرة غير كافية في وجود الفعل، بل لا بد معها من إرادة ترجح الفعل على الترك، والقدرة مع الإرادة الجازمة موجبة للفعل بإذن الله، وهما حقيقة القدرة المقارنة - كما تقدم - (٢).

ومذهب المعتزلة في الاستطاعة مبني على قولهم بنفي التوفيق وأن يكون للرب سبحانه على المطيع نعمة خاصة به يعينه بها على الطاعة، بل إقدار الرب


(١) انظر: الفصل (٣/ ٥١ - ٥٢).
(٢) وانظر: منهاج السنة (٣/ ٤٥ - ٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>