للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا)، وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه (١)، فهذه المرأة مطيقة كونًا لهذا القيام، بدليل أنها فعلته، وقد جعله النبي فوق الطاقة.

ومثله حديث أبي هريرة أن النبي قال: (إياكم والوصال) - مرتين - قيل: إنك تواصل؟ قال: (إني أبيت يطعمني ربي ويسقين، فاكلفوا من العمل ما تطيقون) (٢).

قال ابن الوزير : "فسمح مما يطاق الكثير الذي لا يعلم مقداره إلا هو، ولم يبق من التكاليف إلا ما جعله سببًا لرحمته وفضله وكرامته" (٣).

ومن هنا يعلم خطأ من أطلق القول بأن العباد لا يطيقون إلا ما كَلَّفهم ربهم، لأنه إذا قصد بالطاقة هنا السابقة للفعل التي هي سلامة الآلات؛ فغير صواب لما تقدم من أن في طاقة العبد فعل أكثر مما كلفه الله به، ولكن الله خفف ويسر على المكلفين رحمة منه ، وإن قصد بها المقارنة فالمعنى صحيح، لكن هذا الإطلاق بدعة في اللغة والشرع كما تقدم (٤).

فالحاصل أن إطلاق القول بتكليف ما لا يطاق بدعة وضلال، وأنه لا بد


(١) رواه البخاري: كتاب التهجد، باب ما يكره من التشديد في العبادة (٢/ ٥٤) ح (١١٥١).
(٢) رواه البخاري: كتاب الصوم، باب التنكيل لمن أكثر الوصال (٣/ ٣٨) ح (١٩٦٦)، ومسلم كتاب الصيام، باب النهي عن الوصال في الصوم (٢/ ٧٧٤) ح (١١٠٣).
(٣) إيثار الحق (٣٢٦).
(٤) انظر ما تقدم ص (٥٧٨ - ٥٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>