للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما العقل، فدلالته من وجهين:

الأول: أن الأسباب هي شروط للمسبَّبات، ووجود المشروط بدون شرطه ممتنع (١)؛ فوجود المسبَّبات بدون أسبابها ممتنع (٢).

الثاني: أنه لا بد للمخلوق من فعل ما ينفعه ودفع ما يضره، وهذان في حقيقة الأمر جماع الأسباب، فلا بد له عقلًا من الإتيان بالأسباب.

وأما الحس، فلأننا نشاهد في الوجود ترتب المسبَّبات على أسبابها، ونشاهد عدم استغناء الناس عن الأسباب، ونشاهد كذلك تخلف المسبَّبات عند تخلف أسبابها، فهذا كله يجعل في النفوس ضرورة تقتضي ثبوت الأسباب وأن إنكارها سفَهٌ في العقول، وجحد للمسلَّمات.

وأما الفطرة، فلأن المخلوقات - بخلقتها التي خلقها الله عليها - تسعى لتحصيل منافعها ببذل أسبابها، وتسعى كذلك لدفع الشرور بدفع أسبابها من غير أن تتلقى علم ذلك من أحد، فالرضيع يلتقم الثدي ليحصل على اللبن، ويبعد يده عن النار لئلا يحترق.

وهذا موجود ملاحظ حتى في غير بني البشر.

وبالجملة، "فإنكار الأسباب والقوى والطبائع جحد للضروريات، وقدح في العقول والفطر، ومكابرة للحس، وجحد للشرع والجزاء" (٣).


(١) انظر: الصفدية (٢/ ١٤٤)، والموافقات (١/ ٤١٥).
(٢) انظر: مفتاح دار السعادة (٢/ ٢٥٧).
(٣) شفاء العليل (٢/ ٥٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>