الثاني: ارتباط غيبي، وهذا في الأسباب الأخروية، كارتباط صحبة النبي ﷺ في الجنة بكفالة اليتيم، وكارتباط دخول الدرك الأسفل بالنفاق.
والمقصود بالغيب هنا الغيب المطلق، وإلا فكثير من الأسباب الدنيوية يدخلها الغيب النسبي.
فنيل أي شيء شرعي أو كوني موقوف على تحصيل سببه.
وافتقار المسبَّب إلى سببه لا يعني انتفاء قدرة الله على خلقه بدون سببه، بل هو سبحانه قادر على ذلك، كما خلق آدم ﵇ بلا أبوين بل بـ (كن)، وكما خلق عيسى ﵇ كذلك بدون أب، فالله ﷿ خالق للسبب والمسبَّب، وهو خالق كل شيء، وما من شيء إلا وهو مخلوق مربوب له سبحانه.
قال ابن القيم ﵀:"بل الأسباب محل حكم الله ورسوله، وهي في اقتضائها لمسبَّباتها شرعًا على وزان الأسباب الحسية في اقتضائها لمسبَّباتها قدرًا، فهذا شرع الرب تعالى وذلك قدره، وهما خلقه وأمره، والله له الخلق والأمر، ولا تبديل لخلق الله ولا تغيير لحكمه، فكما لا يخالف سبحانه بالأسباب القدرية أحكامها، بل يجريها على أسبابها وما خلقت له؛ فهكذا الأسباب الشرعية لا يخرجها عن سببها وما شرعت له، بل هذه سنته شرعا وأمرًا وتلك سنته قضاء وقدرًا"(١).
المسألة الثانية: الأسباب هي محل الحكمة.
خلق الله ﷾ المخلوقات كلها على أتم ما يكون من التناسق والانتظام، فلا خلل ولا تفاوت، قال تعالى: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾