للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: أنه لا يلزم من إثبات تأثير الأسباب قول الفلاسفة القائلين بالطبع؛ إذ بينهما وسط حق، وهو إثبات السبب سببًا، أي أنه مؤثر تأثيرًا ناقصًا.

الثالث: أنه لو سلم أن إثبات تأثير السبب يبطل هذا الدليل، فليس في ذلك ما يقدح في ربوبية الله سبحانه، إذ ذلك مما تضافرت عليه أدلة المنقول والمعقول والفطر والحس، وعدم الدليل المعين لا يعني عدم المدلول، لكن الأشاعرة لما اعتمدوا في إثبات وحدانية الرب على هذا الدليل؛ كان في إبطاله سدًّا لباب إثبات الصانع عندهم، وفتحًا لباب الشرك والإلحاد.

ثم إن إنكار تأثير الأسباب يفضي إلى التسوية بينها وبين أضدادها، فلا يجعل للعين ميزة في نفسها عن الخد ولا للطعام ميزة في نفسه عن التراب، وهذا من أوضح الباطل (١).

وفي الحقيقة أنه لا دليل معتبر للأشاعرة في إنكارهم تأثير الأسباب، بل هم مخالفون بذلك لأدلة العقل والنقل والفطرة والحس، وقد قال ابن حزم : "ما نعلم لهم حجة شغبوا بها في هذا الهوس أصلًا" (٢).

وقال شيخ الإسلام: "قال بعض الفضلاء: تكلم قوم من الناس في إبطال الأسباب والقوى والطبائع؛ فأضحكوا العقلاء على عقولهم" (٣).


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ١٣٧).
(٢) الفصل (٥/ ١١٥).
(٣) مجموع الفتاوى (٨/ ١٣٧)، وانظر: شفاء العليل (٢/ ٥٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>