قال بعض أهل السير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل مع مصعب ابن عمير ابن أم مكتوم - رضي الله عنه - وممن قال بذلك العلامة ابن سيّد الناس رحمه الله حيث قال في "عيون الأثر" ١/ ٢٦٥: فلما انصرفوا -أي: أصحاب البيعة- بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معهم ابن أم مكتوم ومصعب بن عمير يعلمان من أسلم منهم القرآن. اهـ. قلت: الصواب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يرسل إلا مصعب بن عمير فقط كما نص على ذلك أكثر أهل السير. وأظن أن الوهم دخل على من قال بذلك مما رواه البخاري في "صحيحه" (٣٩٢٤، ٣٩٢٥) عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وكانوا يقرئون الناس ... الحديث. قلت: الصحيح أن هذا الحديث إنما يتحدث فيه البراء - رضي الله عنه - عن الهجرة لا عن البيعة ولا عن من أرسله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أصحاب البيعة. ومما يدلّ على ذلك: ١ - أنه لم يرد في الحديث قط ذكر البيعة، إنما ورد ذكر الهجرة صريحًا في إحدى روايات الحديث كما ذكر ذلك ابن حجر في "فتح الباري" ٧/ ٣٠٦ حيث قال: في رواية عن شعبة عند الحاكم في "الإكليل" عن عبد الله بن رجاء في روايته (من المهاجرين). اهـ. ٢ - ما ذُكر في الرواية نفسها حيث قال البراء - رضي الله عنه - ثم قدم علينا عمار بن ياسر وبلال وسعد، ثم قدم عمر بن الخطّاب في عشرين من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- ... الحديث. فهذا يوضح أنه يتكلم في شأن الهجرة. وقد فهم ذلك الإمام البخاري - رضي الله عنه - فبوب على الحديث باب: مقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه المدينة. فيُعلم مما سبق أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل مصعب وحده. ثم إن مصعب رجع إلى مكة قبل =