للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأبي بكر مسجد عند باب داره في بني جُمح، فكان يصلي فيه، وكان رجلاً رقيقًا، إذا قرأ القرآن استبكى، قالت: فيقف عليه الصبيان والعبيد والنساء يعجبون لما يرون من هيئته، قال: فمشى رجال من قريش إلى ابن الدغنة, فقالوا: يا ابن الدغنة، إن لم تُجرْ هذا الرجل ليُؤذينا إنه رجل إذا صلى وقرأ ما جاء به محمد يرق ويبكي وكانت له هيئة ونحوٌ، فنحن نتخوف علنى صبياننا ونسائنا وضَعَفَتِنا أن يفتنهم، فأته فمره أن يدخل بيته فليصنع ما شاء، قالت: فمشى ابن الدغنة إليه فقال له: يا أبا بكر، إني لم أُجرك لتؤذى قومك، إنهم قد كرهوا مكانك الذي أنت فيه، وتأذُّوا بذلك منك، فأدخل بيتك، فاصنع فيها ما أحببت، قال: أو أرُدُّ عليك جوارك وأرضى بجوار الله؟ قال: فاردد على جواري، قال: قد رددته عليك، قالت: فقام ابن الدغنة فقال: يا معشر قريش، إن ابن أبي قحافة قد رد عليَّ جواري فشأنكم بصاحبكم (١).

[الهجرة الثانية إلى الحبشة]

واستعد المسلمون للهجرة مرة أخرى، وعلي نطاق أوسع، ولكن كانت هذه الهجرة الثانية أشق من سابقتها، فقد تيقظت لها قريش وقررت إحباطها، بيد أن المسلمين كانوا أسرع، ويسر الله لهم السفر، فانحازوا إلى نجاشي الحبشة قبل أن يدركوا (٢).

وكان عدد المهاجرين في هذه المرة نحو ثمانين رجلاً كما جاء في حديث ابن مسعود (٣).


(١) "سيرة ابن هشام" ١/ ٢٥٠، ٢٥١. بتصرف يسير.
(٢) "الرحيق المختوم" (٩٩).
(٣) حسن: أخرجه أحمد ٤/ ٤٤٠٠، الحاكم ٢/ ٦٢٣ وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وابن سيد الناس في "عيون الأثر"، وقال أحمد شاكر: إسناده حسن، وصححه الألباني في "صحيح السيرة" ١٦٤، ١٦٦.

<<  <   >  >>