كتاب الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية بترتيب أحداث السيرة النبوية

٩ - وفي يوم الجمعة السابع عشر من رمضان من هذه السنة: وقعت غزوة بدر الكبرى - الشرح - ص: 187

حفاظًا على السهام وحتى لا تنفذ من غير فائدة، فأمر النبي - صلي الله عليه وسلم - ألا يضربوا إلا مِنْ قريب، حتى تصيب القوم، فلما أقبل المشركون ودنوا من جيش المسلمين أخذ النبي - صلي الله عليه وسلم - ترابًا من الأرض ثم رماه في وجوه المشركين فما وقع منها شيء إلا في عين رجل منهم (١).

وفي ذلك يقول الله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: ١٧].

ثم أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالهجوم، فَقَالَ لهم: "قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ"، فقَالَ عُمَيْرُ بن الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ الله جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ؟! قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: بَخٍ، بَخٍ (٢).

فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ، بَخٍ؟ "، قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ الله إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: "فَإنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا" فَأَخْرَجَ - عمير بن الحمام- تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ (٣) فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ (٤).

والْتحم الجيشان التحامًا شديدًا، وحمى الوطيس، وظهرت بطولات الصحابة رضي الله عنهم، يتقدمهم النبي - صلي الله عليه وسلم - فهو أشجع الشجعان، حتى إنَّ عليًا - رضي الله عنه - يقول: لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَنَحْنُ نَلُوذُ بِرَسُولِ الله - صلي الله عليه وسلم - وَهُوَ أَقْرَبُنَا إلى

---

(١) "تفسير الطبري" ٩/ ٢١٧، بأسانيد مرسلة عن قتادة، وعروة، وعكرمة وتشهد له الآية.
(٢) بخ، بخ: فيه لغتان أحدهما: إسكان الخاء، أو كسرها منونًا، وهي: كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه في الخير. "شرح مسلم" للنووي ٧/ ٤٤.
(٣) قرنه: بقاف وراء مفتوحتين، وهي الجُعبة.
(٤) صحيح: أخرجه مسلم (١٩٠١)، كتاب: الإمارة، باب: ثبوت الجنة للشهيد.