للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أناخ على باب المسجد متوشحًا السيف، فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب، والله ما جاء إلا لشرٍّ، وهو الذي حرَّش بيننا (١)، وحَزَّرَنا (٢) للقوم يوم بدرٍ.

ثم دخل عمر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبي الله، هذا عدو الله عُمير بن وهب قد جاء متوشحًا سيفه، قال: "فأدخله عليَّ" قال: فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلبَّبه بها، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فاجلسوا عنده، واحذروا عليه من هذا الخبيث، فإنه غير مأمون، ثم دخل به على رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، فلما رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال: ((أرسله يا عمر، ادنُ يا عُمير)) فدنا ثم قال: انْعَمُوا صباحاً- وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: ((قد أكرمنا الله بتحية غير تحيتك يا عمير، بالسلام تحية أهل الجنة)) فقال: أما والله يا محمد إن كنت بها لحديث عهد، قال: ((فما جاء بك يا عمير؟)) قال: جئتُ لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه، قال: ((فما بالُ السيف في عُنقك؟)) قال: قبحها الله من سيوف! وهل أغنتْ عنا شيئًا؟! قال:"اصدقني، ما الذي جئت له؟)) قال: ما جئتُ إلا لذلك، قال: ((بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحِجْر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دَيْنٌ عليَّ وعيال عندي لخرجتُ حتى أقتل محمدًا، فتحمل لك صفوان بِدَينكَ وعيالك على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك)) قال عمير: أشهد أنك رسول الله قد كنا يا رسول الله نُكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم شهد عمير شهادة الحق، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "فَقِّهوا أخاكم في دينه وأَقْرِءوه القرآن وأطلقوا له أسيره" ففعلوا، ثم قال: يا رسول الله إني كنت جاهدًا على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله - عزّ وجلّ -، وأُحِبُّ أن تأذن لي، فأقدم


(١) أي: أفسد بيننا، ويقصد عمر أنه هو الذي أوقع بين المسلمين وقريش وأفسد بينهم يوم بدر.
(٢) حزرنا: أي قَدَّرَ عددنا.

<<  <   >  >>