للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاستجاب الله -عز وجل- دعاء نبيه - صلى الله عليه وسلم - عليهم، فأرسل عليهم ريحًا شديدًا فخلعت خيامهم، وأكفأت قدورهم، وأطفأت نيرانهم، وأرسل الملائكة فزلزلتهم وألقت في قلوبهم الرعب والخوف.

وفي ذلك يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (٩)} [الأحزاب: ٩].

فلم تتحمل الأحزاب جنود الله -عز وجل-، ولم يستطيعوا مواجهتها، فأسرعوا بالتجهز للرحيل.

عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - قال: لَقَد رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لَيلَةَ الْأَحْزابِ وَأَخَذَتْنا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ (١)، فَقالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلا رَجُلٌ يَأتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ الله مَعِي يَوْمَ الْقِيامَةِ؟ "، فَسَكَتْنا فَلَم يُجِبْهُ أَحَدٌ، ثُمَّ قالَ: "أَلا رَجُلٌ يَأتِينا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ الله مَعِي يَوْمَ الْقِيامَةِ؟ "، فَسَكَتْنا فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، ثُمَّ قالَ: "ألا رَجُلٌ يَأتِينا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ الله مَعِي يَوْمَ الْقِيامَةِ؟ "، فَسَكَتْنا فَلَم يُجِبهُ أَحَدٌ، فَقالَ: "قُمْ يا حُذَيْفَةُ فَأتِنا بِخَبَرِ الْقَوْمِ"، فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دَعانِي بِاسْمِي أَنْ أَقُومَ، قالَ: "اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَلا تَذْعَرْهُم عَلَيَّ" (٢)، فَلَمّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّما أَمْشِي في حَمَّامٍ (٣) حَتَّى أَتَيْتُهُمْ، فَرَأَيْتُ أَبا سُفْيانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ (٤)، فَوَضَعْتُ سَهْمًا في كَبِدِ الْقَوْسِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ، فَذَكَرتُ قَوْلَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَلا تَذْعَرْهُم عَلَيَّ"، وَلَوْ رَمَيتُهُ لَأَصَبْتُهُ، فَرَجَعْتُ وَأَنا أَمْشِي في


(١) القُرُّ: البرد.
(٢) لا تذعرهم عليَّ: أي لا تُهيجهم عليَّ.
(٣) أي: في جوٍّ دافئ.
(٤) أي: يدفئه ويدنيه منها.

<<  <   >  >>