للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَايَعَ حَتَّى إِذَا كَانَ في آخِرٍ النَّاسِ، قَالَ: "أَلَا تُبَايِعُنِي يَا سَلَمَةُ؟ "، قَالَ: قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُكَ يَا رَسُولَ الله في أوَّلِ النَّاسِ وَفِي أَوْسَطِ النَّاسِ، قَالَ: "وَأَيْضًا"، قَالَ: فَبَايَعْتُهُ الثَّالِثَةَ، ثُمَّ قَالَ لِي: "يَا سَلَمَةُ أَيْنَ حَجَفَتُكَ أَوْ دَرَقَتُكَ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ؟ "، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله لَقِيَنِي عَمِّي عَامِرٌ عَزِلاً، فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا، قَالَ: فَضحِكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: "إِنَّكَ كَالّذِي قَالَ الْأَوَّلُ: اللهمَّ أَبْغِنِي حَبيبًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي"، ثُمِّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ رَاسَلُونَا الصُّلْحَ، حَتَّى مَشَىَ بَعْضُنَا في بَعْضٍ وَاصْطَلَحْنَا، قَال: وَكُنْتُ تَبِيعًا لِطَلْحَةَ بن عُبَيْدِ الله أَسْقِي فَرَسَهُ وَأَحُسُّهُ وَأَخْدِمُهُ، وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِ، وَتَرَكْتُ أَهْلِي وَمَالِي مُهَاجِرًا إلى الله وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: فَلَمَّا اصْطَلَحْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ مَكَّةَ، وَاخْتَلَطَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ أَتَيْتُ شَجَرَةً فَكَسَحْتُ شَوْكَهَا، فَاضْطَجَعْتُ في أَصْلِهَا، قَالَ: فَأَتَانِي أَرْبَعَةٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَجَعَلُوا يَقَعُونَ في رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَبْغَضْتُهُم فَتَحَوَّلْتُ إلى شَجَرَةٍ أُخْرَى، وَعَلَّقُوا سِلَاحَهُمْ وَاضْطَجَعُوا، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنْ أسفَلِ الْوَادِي: يَا لِلْمُهَاجِرِينَ قُتِلَ ابْنُ زُنَيْمٍ، قَالَ: فَاخْتَرَطْتُ سَيْفِي (١)، ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَى أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةِ، وَهُمْ رُقُودٌ فَأخَذْتُ سِلَاحَهُمْ فَجَعَلْتُهُ ضِغْثًا (٢) في يَدِي، قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ: وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ لَا يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَأْسَهُ إِلَّا ضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاهُ، قَالَ: ثمَّ جِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُم إلى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: وَجَاءَ عَمِّي عَامِرٌ برَجُلِ مِنْ الْعَبَلَاتِ (٣) يُقَالُ لَهُ: مِكْرَزٌ يَقُودُهُ إلى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى فَرَسٍ مُجَفّفٍ (٤) في سَبْعِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "دَعُوهُمْ يَكُنْ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ" (٥)، فَعَفَا عَنْهُمْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَنْزَلَ الله {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح: ٢٤].


(١) أي سللته.
(٢) حزمة.
(٣) بطن من قريش.
(٤) مجفف: أي عليه تجفاف وهو ثوب يلبسه الفرس ليقيه من السلاح.
(٥) أي: لهم بدء الفجور، وثناه: أي العوده إليه مرة ثانية، صحيح: أخرجه مسلم (١٨٠٧)، كتاب: الجهاد والسير، باب: غزوة ذي قرد وغيرها.

<<  <   >  >>