للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِكَفِّ ذُرَةٍ، وَيَجِيءُ الْآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ، وَيَجِيءُ الْآخَرُ بِكَسْرَةٍ، حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَى النِّطَعِ مِنْ ذَلِكَ شَيءٌ يَسِيرٌ، فَدَعَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: خُذُوا في أَوْعِيَتِكُمْ، قَالَ: فَأَخَذُوا في أَوْعِيَتِهِمْ حَتَّى مَا تَرَكُوا في الْعَسْكَرِ وِعَاءً إِلَّا مَلَئُوهُ، قَالَ: فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُولُ الله، لَا يَلْقَى الله بِهِمَا عبد غَيْرَ شَاكٍّ فَيُحْجَبَ عَنْ الْجَنَّةِ" (١).

فأكل الصحابة - رضي الله عنهم - وشربوا، بعد ما نالوه من جوع وعطش شديَدْين.

وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: خرجنا إلى تبوك في قَيظ شديد، فنزلنا منزلًا وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن كان أحدنا ليذهب فيلتمس الرحل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، حتى إنَّ الرجل لينحر بعيره فيعتصر فرْثه فيشربه، ثم يجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيرًا، فادع الله لنا، فقال: أتحب ذلك؟ قال: نعم، قال: فرفع يديه نحو السماء، فلم يرجعها حتى قالت السماء فأظلت ثم سكبت، فملئوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر (٢).

فقال الصحابة لأحد المنافقين ممن كان معهم: وَيْحَك؛ هَلْ بَعْدَ هَذَا شَئءٌ؟! قَالَ: سَحَابَةٌ مَارّةٌ (٣).


(١) صحيح: أخرجه مسلم (٢٧)، كتاب: الإيمان، باب: الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا.
(٢) إسناده جيد: أخرجه البيهقي في "الدلائل" ٥/ ٢٣١، قال ابن كثير في "البداية والنهاية" ٥/ ٧٤: إسناده جيد.
(٣) "سيرة ابن هشام" ٤/ ٩٢، ٩٣، من رواية ابن إسحاق، قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعاصم ثقة، وثقة ابن حجر كما في "التقريب" (٢٩٥): قال: ثقة عالم بالمغازي =

<<  <   >  >>