رأى رجلًا يضرب رجلًا ويقول: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، فقال:(خلق الله آدم على صورته) أي: على صورة هذا المضروب، فهذا شيء لا أصل له، ولا يعرف في شيء من كتب الحديث (١).
الوجه الثاني: أن ذرية آدم خُلِقُوا على صورة آدم، لم يُخْلَق آدم على صورهم، فالثاني المتأخر في الوجود خُلِقَ على صورة الأول المتقدم وجوده، وهذا ظاهر، ولا يجوز أن يقال: خُلِقَ الأول على صورة الثاني المتأخر في الوجود كما هو مقتضى هذا التأويل ... فإنه إذا قيل: خُلِقَ الولد على صورة أبيه أو على خَلْقِ أبيه، كان كلامًا سديدًا، وإذا قيل: خُلِقَ الوالد على صورة ولده أو على خَلْقِه كان كلامًا فاسدًا، بخلاف ما إذا ذكر التشبيه بغير لفظ الخلق وما يقوم مقامه، مثل أن يقال: الوالد يشبه ولده، فإن هذا سائغ لأن قوله: خلق، إخبار عن تكوينه وإبداعه على مثال غيره، ومن الممتنع أن الأول يكون على مثال من لم يكن بعد، وإنما يكون على مثال من قد كان.
الوجه الثالث: أن يقال: هب أن هذه العلة تصلح لقوله: (لا يقولن أحدكم: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك)، فكيف تصلح لقوله:(إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه؟ ) فمعلوم أن كون صورته تشبه صورة آدم لا توجب سقوط العقوبة عنه، فإن الإنسان لو كان يشبه نبيًا من الأنبياء أعظم من مشابهة الذرية لأبيهم في مطلق الصورة والوجه، ثم وجبت على ذلك الشبيه بالنبي عقوبة، لم تسقط عقوبته لهذا الشبه باتفاق المسلمين، فكيف يجوز تعليل تحريم العقوبة بمجرد المشابهة المطلقة لآدم؟ .
الوجه الرابع: أن في ذرية آدم من هو أفضل من آدم، وتناول اللفظ لجميعهم واحد، فلو كان المقصود بالخطاب ليس ما يختص به آدم من ابتداء خلقه على صورة، بل المقصود مجرد مشابهة المضروب والمشتوم له،