للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا (١) لكونه ذاك (٢)، لكان هذا التشبيه من باب العبث، لأن العلة في المشبه به، مثل من يقول لأحد بنيه: إنما أكرمتك لأنك مثل ابني الآخر في معنى البنوة، أو يقول لعبده: إنما أعطيتك لأنك مثل عبدي الآخر في معنى العبودية، وهما مشتركان في هذا.

الوجه السادس: أنه من المعلوم أن جميع ما يضرب ويشتم من الموجودات، هو مخلوق مملوك لله، وهذا يوجب ألا يضرب مخلوق ولا يشتم مخلوق.

الوجه السابع: أن قوله: (لا يقولن أحدكم: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورته) يدل على أن المانع هو مشابهة وجهه لصورة الله، فلو أريد صورة يخلقها الله، لكان كونه هو في نفسه مخلوقًا لله أبلغ من كونه مشبِهًا لما خلقه الله، فيكون عدولًا عن التعليل بالعلة الكاملة إلى ما يشبهها.

الوجه الثامن: أن العلم بأن الله خلق آدم هو من أظهر العلوم عند العامة والخاصة، فإذا لم يكن في قوله: (على صورته) معنى، إلا أنها الصورة التي خلقها وهي ملكة، لكان قوله: خلق آدم، كافيًا، لأن قوله: خلق آدم، و (خلق آدم على صورته) سواء على هذا التقدير، وإن ادُعي أن في الإضافة بمعنى الخلق تخصيصًا، فكذلك يكون في لفظ خلق (٣).

وأما القول الرابع: وهو المروي عن الإمام مالك في إنكار حديث: (إن الله خلق آدم على صورته) والنهي عن التحديث به، والقدح في بعض رواته، كابن عجلان وأبي الزناد.

فالجواب عنه ما ذكره الذهبي رحمه الله، حيث قال بعد ما ساق الرواية عن الإمام مالك في إنكاره الحديث: "قلت: الحديث في أن الله خلق آدم


(١) أي: الوجه.
(٢) أي: مخلوقًا لله كالصورة.
(٣) انظر في هذه الوجوه: بيان تلبيس الجهمية، القسم السادس (٢/ ٥٤٠ - ٥٤٦).

<<  <   >  >>