للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقدم في المطلب الثالث -والغرض من سياقها هنا هو بيان معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: (فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون) وأنه على ظاهره، فهو يدل على أنهم رأوه رؤية متقدمة على هذه الرؤية في غير هذه الصورة، وقد جاء هذا المفهوم صريحًا في رواية البخاري: (فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة).

كما تدل هذه الأحاديث على أن الله تعالى هو نفسه الذي يتحول من صورة إلى صورة، كما هو صريح رواية مسلم: (وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة).

وتدل -أيضًا- على أن رؤية المؤمنين لربهم تتكرر في ذلك الموقف (١)، وأن الله تعالى أتاهم ثلاث مرات في صور متغايرة:


(١) كما أنهم يرونه بعد ذلك في الجنة -على ما جاءت به نصوص الكتاب والسنة- لكن هذه الرؤية تختلف عن رؤيته تعالى في الموقف، لأن رؤية الجنة رؤية لذة ونعيم فهي أعلى مراتب نعيم الجنة، وغاية مطلوب المؤمنين، بخلاف رؤيته في عرصات القيامة فإنها ليست من النعيم والثواب. [انظر: التوحيد لابن خزيمة (٢/ ٤٢٠)، وبيان تلبيس الجهمية، القسم السابع (١/ ١٢٢)، ومجموع الفتاوى (٦/ ٤٨٥)].
وهل الرؤية في عرصات القيامة عامةً، فيراه أهل الموقف كلهم بما في ذلك الكفار؟ في هذا اختلف أهل العلم على ثلاثة أقوال:
الأول: أن الكفار لا يرون ربهم بحال لا المظهر للكفر ولا المسر له، وهذا قول أكثر العلماء المتأخرين وعليه يدل عموم كلام المتقدمين، وعليه جمهور أصحاب الإمام أحمد وغيرهم.
والثاني: أنه يراه من أظهر التوحيد من مؤمني هذه الأمة ومنافقيها، وغبرات من أهل الكتاب، وذلك في عرصة القيامة، ثم يحتجب عن المنافقين فلا يرونه بعد ذلك، وهذا قول أبي بكر بن خزيمة من أهل السنة، وذكر نحوه القاضي أبو يعلى.
والثالث: أن جميع الخلائق يرون ربهم في عرصات القيامة بما في ذلك الكفار، وذلك في أول الأمر، وتكون رؤية الكفار لربهم رؤية تعريف وتعذيب -كاللص إذا رأى السلطان- ثم يحتجب الله عنهم ليعظم عذابهم ويشتد عقابهم، ثم يراه =

<<  <   >  >>