للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكنهم اختلفوا في الملل الوارد في الحديث على قولين، وذلك بعد اتفاقهم على نفي صفة الملل عن الله تعالى:

القول الأول: أن المعنى: لا يمل إذا مللتم، وإلى هذا ذهب ابن قتيبة والطحاوي (١).

قال ابن قتيبة: "أراد: فإن الله لا يمل إذا مللتم، ومثال هذا، قولك في الكلام: هذا الفرس لا يفتر حتى تفتر الخيل.

لا تريد بذلك أنه يفتر إذا فترت، ولو كان هذا هو المراد، ما كان له فضل عليها، لأنه يفتر معها، فأية فضيلة له؟ وإنما تريد: أنه لا يفتر إذا فترت.

وكذلك تقول في الرجل البليغ في كلامه، والمِكْثَار الغزير: فلان لا ينقطع حتى تنقطع خصومه.

تريد أنه لا ينقطع إذا انقطعوا، ولو أردت أنه ينقطع إذا انقطعوا لم يكن له في هذا القول فضل على غيره، ولا وجبت له به مدحة، وجاء مثل هذا بعينه في الشعر المنسوب إلى ابن أخت تَأَبَّطَ شرًا، وقيل: إنه لخلف الأحمر:

صَلِيَت منِّي هذيل بِخِرْقٍ .... لا يَمل الشرَّ حتى يَملُّوا

لم يرد أنه يمل الشر إذا ملوه، ولو أراد ذلك ما كان فيه مدح له، لأنه بمنزلتهم، وإنما أراد: أنهم يملون الشر وهو لا يمله" (٢).

القول الثاني: أن معنى الحديث: لا يترك الله الثواب والجزاء على العمل ما لم تملوه وتتركوه، فيكون المراد بالملل لازم الملل، لأن من ملَّ شيئًا تركه، فكنى عن الترك بالملل الذي هو سبب الترك.


= [انظر: الدرر الكامنة (٢/ ١٣٢)، وشذرات الذهب (٦/ ٣٣٩)، ومعجم المؤلفين (٢/ ٧٤)، والأعلام (٣/ ٢٩٥)].
(١) انظر: شرح مشكل الآثار (تحفة ١/ ٢١٦).
(٢) تأويل مختلف الحديث (٣٢٤) بتصرف يسير.

<<  <   >  >>