للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار، وهو الذي يهلكنا ويميتنا ويحيينا، فقال الله في كتابه: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}، قال: فيسبون الدهر، فقال الله تبارك وتعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار) (١).

والمشركون الذين يضيفون المصائب والنوائب إلى الدهر على قسمين:

أحدهما: الذين لا يؤمنون بالله تعالى، ولا يعرفون إلا الدهر، الذي هو مرُّ الزمان واختلاف الليل والنهار، اللذَين هما محل الحوادث، وظرف لمساقط الأقدار، فينسبون المكاره إليه على أنها من فعله، ولا يرون أن له مدبرًا ومصرِّفًا، وهؤلاء هم الدهرية (٢) الذين حكى الله عنهم في كتابه: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}.

والقسم الثاني: يعرفون الله تعالى، ويعتقدون أنه هو المدبر للأمور وحده لا شريك له، لكنهم يضيفون ما يجري عليهم من المصائب والحوادث إلى الدهر، من باب إضافة الشيء إلى محله، لا أنه عندهم فاعل لذلك (٣).

وقد وقع في هذا بعض شعراء المسلمين:


(١) جامع البيان (١١/ ٢٦٤)، وأورد هذا الحديث أبو يعلى في إبطال التأويلات (٢/ ٣٧٣)، وحكم المحقق على إسناده بالصحه.
(٢) "الدهرية: هم الذين ينفون الربوبية، ويحيلون الأمر والنهي والرسالة من الله تعالى، ويقولون: هذا مستحيل في العقول، ويجعلون الطينة قديمةً، أي: أن العالم قديم، وينكرون الثواب والعقاب، ولا يفرقون بين الحلال والحرام، وينفون أن يكون في العالم دليل يدل على صانع ومصنوع، وخالق ومخلوق ... ويضيفون النوازل بهم إلى الدهر فيسبونه" [البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان للسكسكي (٨٨)، وانظر: الفصل لابن حزم (١/ ١٩)، والملل والنحل للشهرستاني (٢/ ٢٣٥)].
(٣) انظر: غريب الحديث للخطابي (١/ ٤٨٩)، والمفهم (٥/ ٥٤٧ - ٥٤٧ - ٨)، وتيسير العزيز الحميد (٦٠٩).

<<  <   >  >>