للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يطمئن بيقين النظر، واليقين جنسان: أحدهما يقين السمع، والآخر يقين البصر.

ويقين البصر أعلى اليقينين، ولذلك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ليس المُخبر كالمُعاين) (١)، حين ذكرَ قوم موسى وعكوفهم على العجل، قال: أعلمه الله تعالى أن قومه عبدوا العجل، فلم يُلقِ الألواح، فلما عاينهم عاكفين، غضب وألقى الألواح حتى تكسرت.

وكذلك المؤمنون بالقيامة والبعث والجنة والنار، مستيقنون أن ذلك كله حق، وهو في القيامة -عند النظر والعيان- أعلى يقينًا.

فأراد إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أن يطمئن قلبه بالنظر الذي هو أعلى اليقينين" (٢).

وقال الخطابي: "المسألة من قبل إبراهيم لم تعرض من جهة الشك، لكن من قبل زيادة العلم، واستفادة معرفة كيفية الإحياء، والنفس تجد من الطمأنينة بعلم الكيفية ما لا تجده بعلم الآنيَّة، والعلم في الوجهين حاصل، والشك مرفوع" (٣).

وقال أبو عبد الله القرطبي: "إنما سأل كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفرقها، وإيصال الأعصاب والجلود بعد تمزقها، فأراد أن يرتقي من علم اليقين إلى عين اليقين، فقوله: {أَرِنِي كَيْفَ} طلب مشاهدة الكيفية" (٤).


(١) أخرجه الإمام أحمد عن ابن عباس: (٤/ ١٤٧) ح (٢٤٤٧)، ولفظه: (ليس الخبر كالمعاينة، إن الله -عَزَّ وَجَلَّ- أخبر موسى بما صنع قومه في العجل، فلم يُلقِ الألواح، فلما عاين ما صنعوا ألقى الألواح فانكسرت)، وحكم أحمد شاكر على إسناده بالصحة، وأخرجه الحاكم في المستدرك (٢/ ٣٥١) ح (٣٢٥٠)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، كما أخرجه ابن حبان في صحيحه (١٤/ ٩٦، ٩٧) ح (٦٢١٤، ٦٢١٣)، والطبراني في الأوسط (١/ ١٢) ح (٢٥). وأخرجه الإمام أحمد (٣/ ٢٥٤) ح (١٨٤٣) مختصرًا بدون ذكر القصة، وصحح إسناده أحمد شاكر.
(٢) تأويل مختلف الحديث (٩٢).
(٣) أعلام الحديث (٣/ ١٥٤٦).
(٤) الجامع لأحكام القرآن (٣/ ٢٩٩).

<<  <   >  >>