للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمم، من العرب والفرس والهند وبعض الروم على إثباته ... والأنبياء صلوات الله عليهم يجوز عليهم من الأعراض والعلل ما يجوز على غيرهم، إلا فيما خصهم الله به من العصمة في أمر الدين، الذي أرصدهم له، وبعثهم به، وليس تأثير السحر في أبدانهم بأكثر من القتل، وتأثير السم والأمراض وعوارض الأسقام فيهم، وقد قتل زكريا وابنه يحيى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وسُمَّ نبينا -صلى الله عليه وسلم- في الشاة التي أُهديت له بخيبر ... فلم يكن شيء مما ذكرنا قادحًا في نبوتهم، ولا دافعًا لفضيلتهم، وإنما هو امتحان وابتلاء ... فأما ما يتعلق من أمره -صلى الله عليه وسلم- بالنبوة فقد عصمه الله في ذلك، وحرس وحيه أن يلحقه الفساد والتبديل، وإنما كان يخيل إليه من أنه يفعل الشيء ولا يفعله في أمر النساء خصوصًا، وفي إتيان أهله قصرةً، إذ كان قد أُخذ عنهن بالسحر، دون ما سواه من أمر الدين والنبوة، وهذا من جملة ما تضمنه قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: ١٠٢] الآية، فلا ضرر إذن مما لحقه من السحر على نبوته، ولا نقص فيما أصابه منه على دينه وشريعته، والحمد لله على ذلك" (١).

وقال المازري: "أهل السنة وجمهور العلماء من الأمة على إثبات السحر، وأن له حقيقة كحقائق غيره من الأشياء الثابتة، خلافًا لمن أنكره ونفى حقيقته، وأضاف ما يتفق منه إلى خيالات باطلة لا حقائق لها، وقد ذكره الله سبحانه في كتابه العزيز، وذكر أنه مما يُتعلم، وذكر ما يشير إلى أنه مما يُكفَّرُ به، وأنه يُفرَّقُ به بين المرء وزوجه، وهذا كله مما لا يمكن أن يكون فيما لا حقيقة له، وكيف يُتعلم ما لا حقيقة له.

وهذا الحديث أيضًا فيه إثباته، وأنه أشياء دفنت وأُخرجت، وهذا كله يبطل ما قالوه" (٢).

وقال القاضي عياض: "السحر مرض من الأمراض، وعارض من


(١) أعلام الحديث (٢/ ١٥٠٠ - ١٥٠٤).
(٢) المعلم (٣/ ٩٣).

<<  <   >  >>