للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا تكذب على الله، ولا تقول لبشر: إن الله أرسلك، ولم يرسله، وإنما يفعل ذلك الشياطين" (١).

٤ - وأما استدلالهم بقوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} [الإسراء: ٤٧]، حيث قالوا: إن تجويز السحر على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصدق قول هؤلاء المشركين في أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسحور، فالجواب عنه: أن قصة السحر وقعت في المدينة، وهذه الآية مكية، وليس مراد الآية ما جاء في الحديث، فمن المعلوم يقينًا أن المشركين لا يريدون بقولهم هذا إثبات ما أثبته الحديث من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُحر وقتًا ما، وناله بعض التغير، ثم أدركه الله تعالى بالشفاء، وحفظ وحيه ودينه من أن يصل إليه شيء من ذلك التغير، وإنما يُريدون شيئًا آخر، وهو أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد اختلط عليه عقله، والتبس عليه أمره، فما يدعيه من أمر النبوة والوحي كله ناشئ عن السحر، وصادر عن الجنون، ولذلك قالوا عنه: {مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} [الدخان: ١٤]، وأرادوا بهذا الادعاء: تنفير الناس عنه، وعن تصديقه واتباعه.

وعلى هذا فمن آمن بما دلَّ عليه الحديث، لا يلزم البتة أن يكون مصدقًا للمشركين ما حكى الله عنهم في الآية، لأن ما دلَّ عليه الحديث ليس هو ما عناه المشركون في الآية (٢).

٥ - وأما قولهم: إن لحوق ضرر السحر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- مناف لعصمته، وطعن في نبوته، ومزيل للثقة بما جاء به، فالجواب عنه: أن الإجماع منعقد على عصمته -صلى الله عليه وسلم- -وسائر الأنبياء- فيما يبلغ عن الله تعالى.

قال القاضي عياض: "أجمعت الأمة، فيما كان طريقه البلاغ، أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء منها بخلاف ما هو به، لا قصدًا وعمدًا،


(١) النبوات (١/ ٥٥٨ - ٥٥٩)، وانظر: (٢/ ١٠٧٤ - ١٠٩٥).
(٢) انظر: التفسير الكبير (٣٢/ ١٨٨)، وبدائع الفوائد (٢/ ٣٦٤ - ٣٦٥)، والأنوار الكاشفة للمعلمي (٢٥٢)، وأضواء البيان (٤/ ٥٠٦، ٥٠٨، ٥١٠ - ٥١١)، وظلمات أبي رية لمحمد عبد الرزاق حمزة (٢٦٩ - ٢٧٠).

<<  <   >  >>