للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قال محاولًا الجمع: "لعل في السياق تقديمًا وتأخيرًا، وكان ذكر سدرة المنتهى قبل، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله ... ويحتمل أن يكون المراد بما تضمنته هذه الرواية من العلو البالغ لسدرة المنتهى: صفة أعلاها، وما تقدم صفة أصلها" (١).

تاسعًا: قوله: (ودنا الجبار رب العزة فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى).

استنكرت هذه اللفظة على شريك، إذ لم يذكرها غيره ممن روى الحديث، حتى قال الخطابي: "ليس في هذا الكتاب حديث أشنع ظاهرًا وأبشع مذاقًا من هذا الحديث"، ثم قال معللًا ذلك: "إن هذا يوجب تحديد المسافة بين أحد المذكورين وبين الآخر، وتمييز مكان كل واحد منهما، هذا إلى ما في التدلي من التشبيه والتمثيل له بالشيء الذي يعلو من فوق إلى أسفل"، وقال: "حاصل الأمر في التدلي وإطلاق اللفظ به على الوجه الذي تضمنه الخبر: أنه رأي: إما أنس بن مالك، وإما رواية شريك بن عبد الله بن أبي نمر، فإنه كثير التفرد بمناكير الألفاظ، إذا رواها من حيث لا يتابعه عليها سائر الرواة، وأيهما صح هذا القول عنه وأضيف إليه، فقد خالفه فيه عامة السلف المتقدمين والعلماء، وأهل التفسير منهم ومن المتأخرين ... ولم يثبت في شيء مما رُوي عن السلف أن التدلي مضاف إلى الله سبحانه، جل ربنا عن صفات المخلوقين، ونعوت المربوبين المحدودين، وقد رُوي هذا الحديث عن أنس من غير طريق شريك بن عبد الله، فلم تذكر فيه هذه الألفاظ البشعة، فكان ذلك مما يقوي الظن أنها صادرة من قبل شريك، والله أعلم" (٢).


(١) الفتح (١٣/ ٤٨٣).
(٢) أعلام الحديث (٤/ ٢٣٥٢ - ٢٣٥٤)، وانظر: كشف المشكل (٣/ ٢١٢)، وفتح الباري (١٣/ ٤٨٣ - ٤٨٤)، وقد تعقب الشيخ عبدُ الله الغنيمان الخطابيّ في كلامه هذا. [انظر: شرح كتاب التوحيد (٢/ ٤٥٦ - ٤٦٠)].

<<  <   >  >>