للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجبار رب العزة فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى)، فقد يكون من فهم الراوي، فأقحمه في الحديث، والله أعلم" (١).

وجدير بالتنبيه هنا أن هؤلاء -عدا ابن خزيمة- يقولون: إن الدنو والتدلي المذكور في قصة الإسراء هو غير الدنو والتدلي الوارد في سورة النجم، فإن المراد به في سورة النجم جبريل عليه السلام.

قال ابن القيم: "وأما قوله تعالى في سورة النجم: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨)} [النجم: ٨]، فهو غير الدنو والتدلي في قصة الإسراء، فإن الذي في سورة النجم هو دنو جبريل وتدليه، كما قالت عائشة (٢) وابن مسعود (٣)، والسياق يدل عليه، فإنه قال: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥)} [النجم: ٥]، وهو جبريل {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (٧) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨)} [النجم: ٦ - ٨]، فالضمائر كلها راجعة إلى هذا المعلِّم الشديد القوى، وهو ذو المرَّة، أي: القوة، وهو الذي استوى بالأفق الأعلى، وهو الذي دنى فتدلى، فكان من محمد -صلى الله عليه وسلم- قدر قوسين أو أدنى، فأما الدنو والتدلي الذي في حديث الإسراء، فذلك صريح في أنه دنو الرب تبارك وتدليه، ولا تَعَرُّض في سورة النجم لذلك، بل فيها أنه رآه نزلة أخرى، عند سدرة المنتهى، وهذا هو جبريل، رآه محمد على صورته مرتين: مرة في الأرض، ومرة عند سدرة المنتهى، والله أعلم" (٤).

وقال ابن كثير بعد ذكره لآية النجم: "الصحيح من قول المفسرين، بل المقطوع به: أن المتدلي في هذه الآية هو جبريل عليه السلام، كما أخرجاه في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها-: أنها سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: (ذاك جبريل) (٥)، فقد قطع هذا الحديث النزاع، وأزاح الإشكال" (٦).


(١) البداية والنهاية (٣/ ١١٠).
(٢) أخرجه البخاري (٣/ ١١٨١) ح (٣٠٦٣)، ومسلم (٣/ ١٤) ح (١٧٧).
(٣) أخرجه البخاري (٣/ ١١٨١) ح (٣٠٦٠)، ومسلم (٣/ ٦) ح (١٧٤).
(٤) زاد المعاد (٣/ ٣٨)، وانظر: شرح العقيدة الطحاوية (٢٧٦).
(٥) أخرجه البخاري (٤/ ١٨٤٠) ح (٤٥٧٤) لكن بدون هذا اللفظ، وأخرجه مسلم واللفظ له (٣/ ١٠) ح (١٧٧).
(٦) الفصول (٢٧٢)، وانظر: البداية والنهاية (٣/ ١١٠).

<<  <   >  >>