للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا ريب في اتصاف الله تعالى بصفة الدنو الذي هو بمعنى: القرب، فإن هذه الصفة ثابتة لله تعالى في غير هذا الحديث، كما في صحيح مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ ) (١).

وعلى إثبات هذه الصفة لله تعالى معتقد أهل السنة والجماعة.

قال ابن تيمية: "وأما دنوه نفسه وتقربه من بعض عباده، فهذا يثبته من يثبت الأفعال الاختيارية بنفسه، ومجيئه يوم القيامة، ونزوله، واستواءه على العرش، وهذا مذهب أئمة السلف، وأئمة الإسلام المشهورين، وأهل الحديث، والنقل عنهم بذلك متواتر" (٢).

وأما ما يتعلق بصفة التدلي فليس فيها -فيما وقفت عليه بعد البحث- إلا رواية شريك هذه، ولذا فإني أتوقف فيها، لا سيما وقد روى هذا الحديث أئمة أثبات، هم أوثق من شريك وأحفظ، كقتادة وثابت والزهري، ولم يذكروا هذه اللفظة فيه، مع أن إثباتها يدل على عظيم المنزلة ورفعة الدرجة للنبي -صلى الله عليه وسلم- عند ربه، فالظن أنهم لا يغفلونها وهي بهذه المنزلة، بل سيكونون على نقلها وإثباتها أشد حرصًا، خاصة وأنهم نقلوا تفاصيل وقعت في الإسراء هي أقل شأنًا منها، والله أعلم.

عاشرًا: قوله: (فعلا به إلى الجبار فقال، وهو مكانه: يا رب خفف عنا فإن أمتي لا تستطيع هذا).

قال الخطابي: "وفي هذا الحديث لفظة أخرى تفرد بها شريك لم يذكرها غيره، وهي: قوله: (فقال وهو مكانه)، والمكان لا يضاف إلى الله


(١) صحيح مسلم (٩/ ١٢٥) ح (١٣٤٨)، وذكر ابن حجر في الفتح (١٣/ ٤٨٣) أنه جاء عند الطبري من حديث ميمون بن سياه عن أنس، في قصة الإسراء: "فدنا ربك عز وجل، فكان قاب قوسين أو أدنى".
(٢) شرح حديث النزول (٣١٨)، وانظر: مجموع الفتاوى (٥/ ٤٦٦).

<<  <   >  >>