للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سبحانه، إنما هو مكان النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومقامه الأول الذي أُقيم فيه" (١).

والحق أنه لا وجه لاستشكال هذه اللفظة، لأن الضمير في قوله: (وهو مكانه) عائد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، أي: وهو في مكانه الذي أوحى الله إليه فيه قبل نزوله إلى موسى عليه السلام (٢) وما ذكره الخطابي ليس في السياق ما يدل عليه.

قال الحافظ ابن حجر تعليقًا على كلام الخطابي: "وهذا الأخير متعين، وليس في السياق تصريح بإضافة المكان إلى الله تعالى" (٣).

وأما قول الخطابي: "والمكان لا يضاف إلى الله سبحانه" فهذا الإطلاق فيه نظر، لأن إجماع السلف منعقد على ما دلَّ عليه الكتاب والسنة من أن الله تعالى على عرشه فوق سماواته، كما قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)} [طه: ٥]، وقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: ١٦]، لكن لفظ المكان يتوقف في إطلاقه على الله تعالى لعدم ورود النص به (٤).

قال الشيخ عبد الله الغنيمان تعليقًا على قول الخطابي في الإشكال المتقدم: "إن هذا يوجب تحديد المسافة بين أحد المذكورين وبين الآخر، وتمييز مكان كل واحد منهما" قال: "مفهوم هذا القول من الخطابي: أنه لا تمييز بين مكان الخالق والمخلوق، ولا مسافة، ولا تحديد، وهذا لا يعدو أمرين لا ثالث لهما:

إما أن يكون الرب تعالى حالًا في الخلق، ومداخلًا لهم، فهو في كل


(١) أعلام الحديث (٤/ ٢٣٥٥)، وانظر: كشف المشكل (٣/ ٢١٢)، وفتح الباري (١٣/ ٤٨٤)، و (١٣/ ٤٨٥).
(٢) انظر: شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للغنيمان (٢/ ٤٦١).
(٣) الفتح (١٣/ ٤٨٤).
(٤) ينبه هنا إلى أن الإمام الدارمي رحمه الله، قد أطلق لفظ المكان على الله تعالى، مفسرًا ذلك بما دلت عليه النصوص من أنه سبحانه على عرشه فوق سماواته، ويلاحظ أنه قال ذلك في مقام الرد على المنكرين لعلو الله تعالى وفوقيته واستوائه على عرشه. [انظر: نقضه على المريسي (١/ ٢٢٣ - ٢٢٨، ٤٩٣)].

<<  <   >  >>