للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال المازري: فإن قيل: "فقد رجع إليه ثانية واستسلم موسى إليه، فدلَّ على معرفته به، قلنا: قد يكون أتاه في الثانية بآية وعلامة علم بها أنه ملك الموت، وأنه من قِبَل الله عز وجل، فاستسلم لأمر الله، ولم يأته أولًا بآية يعرفه بها، فكان منه ما كان" (١).

القول الثاني: أن ملك الموت قد تصوَّر لموسى عليه السلام بصورة بشر -وهي صورة تمثيل وتخييل- وقد لطمه موسى وأذهب عينه التي هي تمثيل وتخييل، لا حقيقة، ثم أعاده الله إلى خلقته الحقيقية، وهذا معنى قوله: (فرد الله عليه عينه).

وإلى هذا ذهب ابن قتيبة وغيره (٢).

قال ابن قتيبة: "قد جعل الله سبحانه للملائكة من الاستطاعة أن تتمثل في صور مختلفة، وأتى رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- جبريلُ عليه السلام في صورة دحية الكلبي، وفي صورة أعرابي، ورآه مرة قد سد بجناحيه ما بين الأفقين.: وليس ما تنتقل إليه من هذه الأمثلة على الحقائق، إنما هي تمثيل وتخييل، لتلحقها بالأبصار، وحقائق خلقها أنها أرواح لطيفة ...

ولما مَثَلَ ملك الموت لموسى عليه السلام -وهذا ملك الله، وهذا نبي الله- وجاذبه، لطمه موسى لطمةً أذهبت العين التي هي تمثيل وتخييل، وليست حقيقة، وعاد ملك الموت عليه السلام إلى حقيقة خلقته الروحانية كما كان، لم ينتقص منه شيء" (٣).

القول الثالث: أن موسى عليه السلام قد أُذن له بهذا الفعل -اللطمة- ابتلاءً وامتحانًا لملك الموت.


(١) المعلم (٣/ ١٣٣).
(٢) انظر: مشكل الحديث لابن فورك (٣٣٤)، والحجة في بيان المحجة (٢/ ٤٣٦ - ٤٣٧)، والمعلم (٣/ ١٣٢)، والمجموع المغيث (٢/ ٦٢٩)، والمفهم (٦/ ٢٢١).
(٣) تأويل مختلف الحديث (٢٥٧ - ٢٥٨)، وانظر: الفتح (٦/ ٤٤٣).

<<  <   >  >>