للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - أن هذه المسألة من الأمور الغيبية التي لا يجوز الخوض فيها إلا بنص، ولم يرد ما يدل على أن الموتى يسمعون مطلقًا، فيجب الوقوف عند حدود ما ورد (١).

وأما أدلة أصحاب القولين السابقين فقد أجاب عنها بعضهم بما يلي:

- أما حديث القليب فقالوا: إنه وإن دل على سماع المشركين للنبي -صلى الله عليه وسلم- حين مناداته لهم، إلا أنه لا يدل على عموم هذا السماع في كل وقت وحين، ومما يؤيد هذا ما جاء في رواية ابن عمر -رضي الله عنهما-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنهم الآن يسمعون ما أقول)، فقوله: (الآن) قيد يفهم منه أنهم لا يسمعون في غير هذا الوقت، وعلى هذا يكون هذا الحديث حجة في كون الأصل في الموتى عدم السماع.

ومما يدل على هذا أيضًا -من نفس الحديث- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقر عمر وغيره من الصحابة على ما كان مستقرًا في نفوسهم واعتقادهم من أن الموتى لا يسمعون، فلم ينكر ذلك عليهم، وإنما بين لهم ما كان خافيًا عليهم من شأن أهل القليب، وأنهم سمعوا كلامه حقًا (٢).

- وأما حديث أنس -رضي الله عنه-: (إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان ... )، فهو محمول على أنه في أول الوضع، أي أن هذا السماع خاص بهذا الوقت، وبقية الحديث يشعر بهذا، فإن روحه تعاد حينئذ استعدادًا لسؤال الملكين (٣).

قال المُنَاوِي (٤) عند هذا الحديث: "وعورض بقوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ


(١) انظر: مقدمة الآيات البينات للألباني (٢٠ - ٢١).
(٢) انظر: روح المعاني (٢١/ ٥٦)، ومقدمة الآيات البينات للألباني (٢٩ - ٣٢).
(٣) انظر: الآيات البينات (٥٦، ٥٩).
(٤) هو العلامة محمد عبد الرؤوف بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري، من كبار العلماء، انزوى للبحث والتصنيف، وكان قليل الطعام كثير السهر فمرض وضعفت أطرافه، فجعل ولده محمد يستملي منه تأليفه، توفي رحَمه اللهُ =

<<  <   >  >>