مثل أثر المجل كجمر دحرجته على رجلك فتراه منتبرا وليس فيه شيء قال ثم أخذ حصى فدحرجه على رجله قال فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال إن في بني فلان رجلا أمينا حتى يقال للرجل ما أجلده وأظرفه وأعقله وما في قلبه حبة من خردل من إيمان ولقد أتى علىّ زمان وما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلما ليردنه عليّ دينه ولئن كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه علي ساعيه فأما اليوم فما كنت لأبايع منكم إلا فلانا وفلانا
الذي كان قبله حكاه النووي المجل بفتح الميم وإسكان الجيم وفتحها لغتان حكاهما صاحب التحرير والمشهور الإسكان قال أهل اللغة والغريب المجل هو التنفط الذي يصير في اليد من العمل بفأس أو نحوها ويصير كالقبة فيه ماء قليل أي مرتفعا وأصل هذه اللفظة الإرتفاع ومنه المنبر لارتفاعه وارتفاع الخطيب عليه من البيع والشراء (وقوله لا يكاد أحد يؤدي الأمانة) أي حق صاحبها هذه الجملة وما بعدها الخ الحديث من كلام حذيفة ومراده أني كنت أعلم أن الأمانة لم ترتفع وإن في الناس وفاء بالعهود فكنت أقدم على البيع والشراء ممن اتفق له غير باحث عن حاله وثوقا بالناس وأمانتهم (وقوله ليردنه علي ساعيه) أي فإن كان كافرا فساعيه وهو الوالي عليه كان أيضا يقوم بالأمانة في ولايته فيستخرج حقي منه، أما اليوم فقد ذهبت الأمانة فما بقي لي وثوق ممن أبايعه ولا بالساعي في أدائهما الأمانة فما أبايع إلا فلانا وفلانا يعني أفرادا من الناس أعرفهم وأثق بهم {تخريجه} (ق مذ جه) ومعناه أن الأمانة تزول من القلوب شيئا فشيئا فإذا زايلها أول جزء منها زال بقدره من النور وخلفه ظلام كالوكت فإذا زال شيء آخر صار ذلك الظلام كالمجل وهو أثر محكم لا يزول إلا بعد زمن ليس بالقصير مع المعالجة بالحكمة الروحية ثم ضرب لك مثلا بشيء محسوس بحاسة البصر ليكون أقرب لتناول الفهم وأوقع في النفس فشبه نور الأمانة بعد وقوعه في مقره وارتفاعه بعد استقراره فيه واعتقاب الظلمة إياه بجمر دحرجه المرء على رجله حتى أثر فيها أثرا ليس باليسير ثم زال الجمر وبقي الأثر والله أعلم