وسنتكلم أولا على ما قاله السلف فى تفسير الآية مع ذكر العلماء فى ذلك والله الموفق قال الله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} أى محرمون بحج أو عمرة، وهذا تحريم منه تعالى لقتل الصيد فى حال الأحرام ونهى عن تعاطيه فيه، وهذا إنما يتناول من حيث المعنى المأكول ولو ما تولد منه ومن غيره، فأما غير المأكول من حيوانات البر فالجمهور على تحريم قتلها، ولا يستثنى من ذلك إلا ما ثبت عند الأمام أحمد والشيخين وغيرهم. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس فواسق يقتلن فى الحل والحرم، وسيأتى ذلك فى بابه بعد باب واحد ان شاء الله تعالى * قوله عز وجل {ومن قتله منكم متعمدا} اختلفوا فى هذا العمد فقال قوم هو العمد لقتل الصيد مع نسيان الأحرام، أما إذا قتله عمدا وهو ذاكر لأحرامه فلا حكم عليه وأمره إلى الله، لأنه أعظم من أن يكون له كفارة، هذا قول مجاهد والحسن (وقال آخرون) هو أن يعمد المحرم قتل الصيد ذاكراً لأحرامه فعليه الكفارة، والذى عليه الجمهور أن العامد والناسى سواء فى وجوب الجزاء عليه (قال الزهري) دل الكتاب على العامد وجرت السنة على الناسي، ومعنى هذا أن القرآن دل على وجوب الجزاء على المتعمد على تأثيمه بقوله "ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه" وجاءت ألسنة من أحكام النبى صلى الله عليه وسلم وأحكام أصحابه بوجوب الجزاء فى الخطأ كما دل الكتاب عليه فى العمد، وأيضا فان قتل الصيد اتلاف. والأتلاف مضمون فى العمد وفى النسيان. لكن المتعمد مأثوم والمخطئ غير ملوم * قوله عز وجل {فجزاء مثل ما قتل من النعم} اختلفوا فى ذلك المثل. فذهب الأئمة (مالك والشافعى وأحمد) والجمهور إلى أن المراد مثل ما قتله المحرم إذا كان له مثل من الحيوان الأنسى (وذهب الأمام أبو حنيفة) إلى أن المراد به ما يقرب من الصيد المقتول شبها من حيث القيمة ولذلك أوجب القيمة سواء أكان الصيد المقتول مثليا أو غير مثلىّ، قال وهو مخير إن شاء تصدق بثمنه وإن شاء اشترى به هديا، والذى حكم به الصحابة فى المثل أولى بالاتباع، فانهم حكموا فى النعامة ببدنة. وفى بقرة الوحش ببقرة. وفى الغزالى بعنز، وهكذا مما تقدم فى الزوائد * قوله عز وجل {يحكم به ذوا عدل منكم} يعنى أنه يحكم بالجزاء فى المثل أو بالقيمة فى غير المثل رجلان عدلان، وينبغى أن يكونا فقيهين ينظران إلى أشبه الأشياء به من النعم فيحكمان به، واختلف العلماء فى القاتل هل يجوز أن يكون أحد الحكمين؟ على قولين (أحدهما) لا .. لأنه قد يتهم فى حكمه على نفسه، وهذا مذهب مالك (والثاني) نعم لعموم الآية. وهو مذهب الشافعى وأحمد (واختلفوا) هل تستأنف الحكومة فى كل ما يصيبه المحرم، فيجب أن يحكم فيه ذوا عدل وإن كان قد حكم فى مثله الصحابة؟