للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عباس أنهم قالوا (١) يا رسول الله إنا نحدث أنفسنا بالشيء (٢) لأن يكون أحدنا حممة (٣) أحب إليه من أن يتكلم به قال فقال أحدهما (٤) الحمدلله الذي لم يقدر منكم (يعني الشيطان) إلا على الوسوسة وقال الآخر الحمدلله الذي رد أمره إلى الوسوسة (وعن ابن عباس أيضا من طريق ثان) (٥) قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم الله أكبر الحمدلله الذي رد كيده إلى الوسوسة (٦)


(غريبه) (١) يعني أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا الخ (٢) لعل هذا لشيء ما جاء في حديث أبي هريرة عند الشيخين والإمام أحمد وتقدم في باب صفاته عز وجل وتنزيهه عن كل نقص من كتاب التوحيد في الجزء الأول صحيفة ٤٦ رقم ١٩ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلق السماء؟ فيقول الله عز وجل فيقول من خلق الأرض؟ فيقول الله فيقول من خلق الله؟ فإذا أحس أحدكم بشيء من هذا فليقل آمنت بالله وبرسله وفي لفظ للشيخين فليستعذ بالله ولينته (٣) بضم الحاء المهملة وفتح الميمين أي فحمة (٤) يعني أحد الراويين اللذين روى عنهما الإمام أحمد في هذا الحديث وهما محمد بن جعفر وحجاج قال أحدهما في روايته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحمد لله الذي لم يقدر منكم إلا على الوسوسة قال الآخر في روايته الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة (ولمسلم عن أبي هريرة) قال جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال وقد وجدتموه؟ قالوا نعم قال ذاك صريح من الإيمان ومعناه أن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك (وأما قوله) فمن وجد ذلك فليقل آمنت بالله ورسله (وفي اللفظ الآخير) فليستعذ بالله ولينته فمعناه الإعراض عن هذا الخاطر الباطل والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه (قال الإمام المازرى) رحمه الله أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها والرد لها من غير استدلال ولا نظر في ابطالها قال والذي يقال في هذا المعنى أن الخواطر على قسمين فأما التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت فهي التي تدفع بالإعراض عنها وعلى هذا يحمل الحديث وعلى مثلها ينطلق اسم الوسوسة فكأنه لما كان أمرا طارئا بغير أصل دفع بغير نظر في دليل إذ لا أصل له ينظر فيه وأما الخواطر المستقرة التي أوجدتها الشبهة فإنها لا تدفع إلا بالاستدلال والنظر في إبطالها والله أعلم (وأما قوله) فليستعذ بالله ولينته فمعناه إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره وليعرض عن الفكرة في ذلك وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها والله أعلم (٥) (سنده) حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن ذر بن عبد الله الهمداني عن عبد الله ابن شداد عن ابن عباس الخ (٦) إنما قال ذلك صلى الله عليه وسلم لأن الشيطان إنما يوسوس بأن أيس من إغوائه فينكد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه وأما الكافر فأنه يأتيه من حيث شاء ولا يقتصر في حقه على الوسوسة بل يتلاعب به كيف أراد فعلى هذا معنى سبب الوسوسة محض الإيمان ويؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد أيضا عن عائشة رضي الله عنها وتقدم في باب صفات الله تعالى وتنزيه عن كل نقص من كتاب التوحيد في الجزء الأول صحيفة ٤٦ رقم ٢٠ قال: شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجدون من الوسوسة

<<  <  ج: ص:  >  >>