أوي إلى ركن شديد (أبواب ذكر ذرية ابراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وقول الله
العذاب الأليم ولذلك قال صلى الله عليه وسلم فى حديث الباب (رحمة الله على لوط ان كان ليأوى الى ركن شديد) يعنى الله عز وجل الحديث، حينئذ قالت الملائكة وهم جبريل وميكائيل واسرافيل عليهم السلام (يا لوط انا رسل ربك لن يصلوا اليك) قيل ان جبريل عليه السلام خرج عليهم فضرب وجوههم خفقة بطرف جناحه فطمست أعينهم حتى قيل إنها غارت بالكلية ولم يبق لها محل ولا عين ولا أثر، فرجعوا يتجسسون مع الحيطان ويتوعدون رسول الرحمن ويقولون اذا كان الغد كان لنا وله شأن، وجاء مصداق ذلك فى قوله تعالى (ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم) ثم أمره الله عز وجل بوحى من الملائكة بقوله (فأسر باهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد) يعنى عند سماع صوت العذاب اذا حل بقومه وأمره الملائكة ان يكون سيره فى آخرهم كالساقة لهم (إلا امرأتك) قرئ بالنصب والرفع فعلى قراءة النصب يحتمل ان يكون مستثنى من قوله فأسر باهلك كأنه يقول إلا امرأتك فلا تسربها، وعلى قراءة الرفع يحتمل أن يكون مستثنى من ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك أى فانها ستلتفت فيصيبها ما أصابهم ويقوى هذا الاحتمال قراءة الرفع ولكن الأول اظهر فى المعنى: قاله الحافظ بن كثير والله أعلم، وانما أصاب امرأته ما أصابهم لأنها كانت على دينهم وكانت عينا لهم على من يكون عند لوط فانتقم الله منها (انه مصيبها ما أصابهم) روى ان لوطا قال أهلكوهم الساعة، فقالوا (إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب)؟ فخرج لوط عليه السلام بأهله إلى الشام وهم ابنتاه ولم يتبعه منهم رجل واحد، ويقال ان امرأته خرجت معه والله أعلم: فلما خلصوا من بلادهم وطلعت الشمس فكان عند شروقها جاءهم من أمر الله ما لا يرد ومن البأس الشديد ما لا يمكن ان يصد، قال تعالى (فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هى من الظالمين ببعيد) قالوا اقتلعهن جبريل بطرف جناحيه من قرارهن وكن سبع مدن بمن فيهن من الامم، فقالوا كانوا أربعمائة نسمة وقيل أربعة آلاف نسمة وما معهم من الحيوانات وما يتبع تلك المدن من الآراضى والأماكن فرفع الجميع حتى بلغ بهن عنان السماء حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباح كلابهم ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها (وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل) السجيل فارسى معرب وهو الشديد الصلب القوى (منضود) أى يتبعِ بعضه بعضا فى نزولها عليهم من السماء (مسومة) أى معلمة مكتوب على كل حجر اسم صاحبه الذى يهبط عليه فيدمغه (عند ربك وما هى من الظالمين ببعيد) وجعل الله مكان تلك البلاد بحرة منتنة لا ينتفع بمائها ولا بما حولها من الأرض المتاخمة بفنائها لرداأتها ودنائتها فصارت عبرة ومثلة وعظة وآية على قدرة الله تعالى وعظمته فى انتقامه ممن خالف أمره وكذب رسله وابتع هواه وعصى مولاه، وقيل فى ذلك عبرة وعظة لمن يتشبهون بقوم لوط فى زماننا ويعملون كعملهم وقد ورد فى الحديث (ومن تشبه بقوم فهو منهم) وان لم يكن من كل وجه فمن بعض الوجوه كما قال بعضهم (فان لم تكونوا قوم لوط بعينهم فما قوم لوط منكم ببعيد) فالعاقل اللبيب من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى وانقاد لما أمره الله به وأمتثل ما أرشده اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من إتيان ما خلق له من الزوجات الحلال، واياه أن يتبع كل شيطان مريد فيحق عليه الوعيد ويدخل فى قوله تعالى (وما هى من الظالمين ببعيد) نسأله تعالى الهداية والسداد والسلوك بنا إلى سبيل الرشاد