للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.


يونس إلى أهل نينوى من أرض الموصل فدعاهم الى الله عز وجل فكذبوه وتمردوا على كفرهم وعنادهم فلما طال ذلك عليه من أمرهم خرج من بين اظهرهم ووعدهم حلول العذاب بهم بعد ثلاث، قال أبن مسعود ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وغير واحد من السلف والخلف فلما خرج من بين ظهرانيهم وتحققوا نزول العذاب بهم قذف الله فى قلوبهم التوبة والإنابة وندموا على ما كان منهم الى نبيهم فلبسوا المسوح وفّرقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عجوا الى الله عز وجل وصرخوا وتضرعوا اليه وتمسكنوا لديه وبكى الرجال والنساء والبنون والبنات والأمهات وجارت الأنعام والدواب والمواشى: فرغت الابل وفصلانها وخارت البقر وأولادها وثغت الغنم وحملانها وكانت ساعة عظيمة هائلة فسكشف الله العظيم بحوله وقوته ورأفته ورحمته عنهم العذاب الذى كان قد أتصل بهم بسببه ودار على رءوسهم كقطع الليل المظلم (قال ابن عباس) ووهب كان يونس وعد قومه العذاب فلما تأخر عنهم العذاب خرج كالمستور منهم فقصد البحر فركب السفينة فاحتبست السفينة، فقال الملاحون ها هنا عبد آبق، وكان من عادتهم ان من وقعت عليه القرعة يلقى فى البحر فزج، يونس نفسه فى الماء وأمر الله تعالى حوتا من البحر الأخضر أن يلتقمه وان لا ياكل له لحما ولا يهشم له عظما فليس لك برزق، فأخذه فطاف به البحار كلها، وقيل انه ابتلع ذلك الحوت حوت آخر أكبر منه، وهذا معنى قوله تعالى (اذ أبق الى الفلك المشحون) أى هرب (فساهم) فقارع، والمساهمة القاء السهام على جهة القرعة (فكان من المدحضين) أى المقروعين (فالنقمه الحوت) ابتلعه (وهو مليم) أى بما يلام عليه (فلولا انه كان من المسبحين) من الذاكرين الله قبل ذلك وكان كثير الذكر، وقال ابن عباس من المصلين، وقال وهب من العابدين، وقال الحسن ما كانت له صلاة فى بطن الحوت ولكنه قدْم عملا صالحا، وقال الضحاك شكر الله له طاعته القديمة، وقيل فلولا أنه كان من المسبحين فى بطن الحوت، قال سعيد بن جبير يعنى قوله (لا إله إلا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين) ويؤيد ذلك قوله تعالى فى سورة الأنبياء (وذا النون أذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى فى الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين) فال إبن مسعود ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل، قال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما وذلك أنه ذهب به الحوت فى البحار يشقها حتى انتهى الى قرار البحر فسمع يونس تسبيح الحصى فى قراره، فعند ذلك وهنا لك قال لا اله إلا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين (البث فى بطنه الى يوم يبعثون) أى لصار بطن الحوت له قبرا الى يوم القيامة (فنبذناه) طرحناه (بالعراء) يعنى على وجه الأرض، قال السدى بالساحل، والعراء الأرض الخالية عن الشجر والنبات (وهم سقيم) عليل كالفرخ الممعط وقيل كان قد بلى لحمه ورق عظمه ولم يبق له قوة، واختلفوا فى مدة لبثه فى بطن الحوت، فقال مقاتل بن حيان ثلاثة أيام، وقال عطاء سبعة أيام وقال الضحاك عشرين يوما، وقال السدى والكلبى ومقاتل بن سليمان أربعين يوما، وقال الشعبى التقمه ضحى ولفظه عشية والله أعلم (وانبتنا عليه) أى له وقيل عنده (شجرة من يقطين) يعنى القرع على قول جميع المفسرين، وذكر بعضهم فى القرع فوائد، منها سرعة نباته وتظليل ورقه لكبره ونعومته وأنه لا يقربه الذباب وجودة تغذية ثمره وانه يؤكل نيئا ومطبوخا وقشره أيضا، وقد ثبت ان رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يحب الدبّاء (يعنى القرع) ويتتبعه من حواشى الصفحة، وقال الحسن ومقاتل كل نبت يمد

<<  <  ج: ص:  >  >>