وهكذا انتهى الرأي إلى الإفرج عن الإمام أحمد وإعلان ذلك على الملأ، حتى إذا مات مات وهو في بيته، قال حنبل ابن إسحق لما أمر المعتصم بتخلية أبي عبد الله خلع عليه مبطنة وقميصًا وطيلسانًا وخفًّا وقلنسوة فبينما نحن على باب الدار والناس في الميدان والدروب وغيرها وأغلقت الأسواق إذ خرج أبو عبد الله على دابه من دار إبي إسحق المعتصم وعليه تلك الثياب وابن أبي داؤد عن يمينه وإسحق بن إبراهيم يعني نائب بغداد عن يساره، فلما صار إلى دهليز المعتصم قبل أن يخرج قال لهم ابن أبي داود اكشفوا رأسه فكشفوه يعني من الطيلسان فقط وذهبوا يأخذون به ناحية الميدان نحو طريق الحبس فقال لهم إسحق خذوا به ههنا يريد دجله فذهب به إلى الزورق وحمل إلى دار إسحق فأقام عنده إلى أن صليت الظهر وبعث إلى أبي وإلى جيراننا ومشايخ المحال فجمعوا وأدخلوا عليه فقال لهم هذا هو أحمد بن حنبل إن كان فيكم من يعرفه، وإلا فليعرفه فقال ابن سماعة حين دخل للجماعة هذا أحمد بن حنبل فإن أمير المؤمنين ناظر في أمره وقد خلى سبيله وهاهو ذا فأخرج على دابة لإسحق بن إبراهيم عند غروب الشمس فصار إلى منزله ومعه السلطان والناس وهو منحني فلما ذهب لينزل احتضنته ولم أعلم فوقعت يدي على موضع الضرب فصاح فنحيت يدي فنزل متوكئًا علي وأغلق الباب ودخلنا معه ورمى بنفسه على وجهه لا يقدر يتحرك إلا بجهد وخلع ما كان قد خلع عليه فأمر به فبيع، وأخذ ثمنه فتصدق به".
وآوى الإمام أحمد بن حنبل إلى بيته ووجه إليه من يبلغ خبره يومًا بعد يوم، ومن يعالج جروحه، وكان قد أصيب في غير موضع وظل أثر الضرب بينًا في ظهره إلى أن توفي وظلت إبهاماه متخلعتين تضربان عليه في البرد حتى يسخن له الماء. وجعل الإمام أحمد كل من أصابه في حل إلا مبتدع مطبقًا قول الله تعالى {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم} ومتبعًا توجيه النبي صلى الله عليه وسلم بالعفو عن مسطح قائلًا العفو أفضل.
وعاد الإمام أحمد إلى مجلسه بالمسجد ودرسه حتى مات المعتصم وولي الواثق. وواصل سياسة سلفه في الأخذ بخلق القرآن، ولكنه لم يشأ أن يعيد القصة مع الإمام أحمد بعد أن رأى أنها أكسبته المهابة والجلال والمحبة والتقدير فأرسل إليه نائبه إسحق بن إبراهيم برسالة في موهم الليل "يقول لك الأمير إن أمير المؤمنين قد ذكرك