للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وظلت هذه المحاورات والمداورات ثلاث ليال حتى ضجر المعتصم وقال "العقابين (١) والسياط" فجاء الجلادون فقال لهم المعتصم تقدموا فجعل كل جلاد يضرب الإمام أحمد سوطين والمعتصم يقول له شد قطع الله يدك ثم يتنحى ويقوم الآخر والمعتصم يقول في كل ذلك شد قطع الله يدك فلما ضرب تسعة عشر سوطًا من هذه السياط التي يستنزف كل اثنين منها فوه رجل قال المعتصم "يا أحمد علام تقتل نفسك إني والله عليك لشفيق! وجعل عجيف (أحد رجال المعتصم) ينخسه بقائمة سيفه ويقول "أتريد أن تغلب هؤلاء كلهم" وجعل بعضهم يقول ويلك الخليفة على رأسك قائم وقال بعضهم يا أمير المؤمنين دمه في عنقي فاقتله وجعلوا يقولون يا أمير المؤمنين أنت صائم، وأنت في الشمس قائم وهو يقول ويحك يا أحمد ما تقول والإمام أحمد لا يغير من قوله "أعطوني شيئًا من كتاب الله أو سنة رسوله أقول به .. فيأمر الجلادين بالضرب قارنًا الأمر بوصيته "شد قطع الله يدك! ".

قال صالح قال أبي فذهب عقلي، فأفقت بعد ذلك فإذا الأقياد قد أطلقت عني فقال لي رجل ممن حضر إننا كببناك على وجهك وطرحنا على ظهرك بارية ودسناك. قال أبي فما شعرت بذلك وأتوني بسويق فقالوا لي اشرب وتقيأ فقلت لا أفطر ثم جيء بي إلى دار إسحق بن إبراهيم فحضرت صلاة الظهر فتقدم ابن سماعة فصلى فلما انفتل من الصلاة قال لي صليت والدم يسيل في ثوبك فقلت قد صلى عمر وجرحه يثعب دمًا.

وكانت المدة منذ أن أخذ إلى أن ضرب وخلي عنه ثمانية وعشرين شهرًا، كان المعتصم فيها نهبة بين أن يلتزم بوصية سلفه المأمون وتوجيه مستشاره أحمد بن داود الذي لم يظل يؤكد له إن الإمام أحمد كافر مشرك قد أشرك من غير وجه .. وبين أن يدعه عندما أعجب بشجاعته وأخذته الشكوك في سلامة القضية كلها.

وفي الوقت نفسه فلم يكن أحمد بن أبي داود ليريد أن يقتل، فعندما قال أحد أتباع المعتصم يا أمير المؤمنين اضرب عنقه ودمه في رقبتي قال ابن أبي داود لا يا أمير المؤمنين لا تفعل فإنه إن قتل أو مات في دارك قال الناس صبر حتى قتل فاتخذوه إمامًا وثبتوا على ما هم عليه، ولكن أطلقه الساعة فإن مات خارجًا عن منزلك شك الناس في أمره.


(١) هي، كما يفهم من السياق خشبتان يعلق عليها، أو يثبت عليها من يراد جلده.

<<  <  ج: ص:  >  >>