يبق في بغداد في النهاية سوى أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح فكبلا بالحديد وسيقا إلى المأمون في طرسوس ليأمر فيهما بأمره. واستشهد ابن نوح في الطريق. قال الإمام أحمد "ما رأيت أحدًا على حداثة سنه وقدر علمه أقوم بأمر الله من محمد بن نوح. وإني لأرجو أن يكون قد ختم له بخير. قال لي ذات يوم يا أبا عبد الله الله الله إنك لست مثلي .. إنك رجل يقتدى بك. قدمت الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك فاتق الله واثبت لأمر الله أو نحو هذا. فمات وصليت عليه ودفنته".
ومن غير بغداد مات عالم مصر يوسف بن يحيى البويطي صاحب الإمام الشافعي، وهو في قيوده بعد أن رفض الإقرار بما يريدون. كما توفي في سجنه نعيم بن حماد.
وهكذا أصبح على الإمام أحمد بن حنبل أن يواجه وحده العاصفة، وتبلورت فيه وحده القضية كلها. وكان له من الشهرة والاسم وأمل الناس فيه وتعلقهم به ما يجعل وقفه فاصلًا. ومن هنا كانت تلك الأهمية التي علقها معاصروه على موقفه. واعتبروه "صاحب المنة على الأمة" وشبهوا موقفه بموقف أبي بكر يوم الردة وعمر يوم السقيفة ولعلهم أيضًا كانوا يستطيعون أن يرقوا به إلى "بدر" عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم في ابتهاله المأثور اللهم أن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعد اليوم".
ولكن المأمون مات وأحمد بن حنبل في الطريق إليه فأعيد إلى بغداد وأودع السجن فترة، ثم اتضح أن المأمون أوصى أخاه المعتصم بمتابعة هذه القضية والسير فيها والاستمساك بأحمد بن أبي داود الذي كان يضرم جذوتها ويتولى كبرها. ومن ثم فقد حمل أحمد بن حنبل في قيوده بعد أن زيدت وضوعفت إلى المعتصم وأحمد بن داود حيث أرادوا مناظرته فكان رده المفحم الذي تمسك به "أعطوني شيئًا من كتاب الله أو سنة رسوله حتى أقول به".
وكان المعتصم راغبًا كل الرغبة في أن يرضخ الإمام أحمد بحيث لا يحتاج إلى استخدام القوة، وحاول معه كل طرق الاسترضاء "يا أحمد والله إني عليك لشفيق وإني لأشفق عليك كشفقتي على هرون ابني ما تقول. فأقول أعطوني شيئًا من كتاب الله أو سنة رسوله".
ومرة أخرى "يا أحمد أجبني إلى شيء لك فيه أدنى فرج حتى أطلق عنك بيدي قلت أعطوني شيئًا من كتاب الله أو سنة رسوله فطال المجلس وقام ورددت إلى الوضع الذي كنت فيه".