ولما طالت العلة به أرسل المتوكل ابن ماسويه الطبيب فزاره ثم عاد إلى المتوكل وقال إنه ليست به علة في بدنه إنما هو من قلة الطعام والصيام والعبادة. فسكت المتوكل.
وأمر المتوكل بشراء دار للإمام أحمد ولكن الإمام رفض ذلك قائلًا إنما يريدون أن يصيروا هذا البلد مأوًى ومسكنًا قال صالح فلم نزل ندفع شراء البيت.
وأكربت هذه الرعاية الإمام أحمد كربًا شديدًا حتى كان يبكي ويقول سلمت من هؤلاء ستين سنة حتى إذا كان في آخر عمري بليت بهم والله لقد تمنيت الموت في الأمر الذي كان (أي في فتنة المعتصم) وإني لأتمنى الموت في هذا وذلك أن هذا فتنة الدنيا وذلك فتنة الدين ثم جعل يضم أصابعه ويقول لو كانت نفسي في يدي لأرسلتها ويفتح أصابعه.
وكان المتوكل يوجه في كل وقت يسأل عن حاله ويأمر لآله بالمال دون أن يعلم الإمام أحمد بذلك. وحسن رأيه في الإمام أحمد بعد ما رأى من صدوده حتى رفض فيه كل الوشايات وعندما قالوا له إنه لا يأكل من طعامك، ولا يجلس على فراشك ويحرم الذي تشرب قال لهم "لو نشر المعتصم وقال فيه شيئًا لم أقبل منه".
ولما تأكد المتوكل من عقم كل محاولاته اصطناع الإمام أحمد أو تقريبه سمح له بالعودة وأذن له في الانصراف فجاء عبيد الله بن يحيى وقت العصر وقال للإمام أحمد إن أميرالمؤمنين قد أذن لك، وأمر أن تفرش لك حراقة (١) تتحدر فيها فقال أبو عبد الله اطلبوا لي زورقًا فأنحدر فيه الساعة فطلبوا له زورقًا فانحدر من ساعته.
قال حنبل، فما علمنا بقدومه حتى قيل لي إنه قد وافى فاستقبلته بناحية القطيعة وقد خرج من الزورق فمشيت معه فقال لي تقدم لا يراك الناس فيعرفوني فتقدمت بين يديه حتى وصل إلى المنزل فلما دخل ألقى بنفسه من التعب والعياء.
وكان في حياته ريما استعار الشيء من منزلنا ومنزل ولده فلما صار إلينا من مال السلطان ما صار امتنع عن ذلك.
وانتهى بذلك أمر المحنة بعد أن استمر أربع عشرة سنة ثبت لها الإمام أحمد بن حنبل ثبات المؤمنين الصادقين.