للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال البخاري مرض أحمد بن حنبل لليلتين خلتا من ربيع الأول ومات يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول.

قال صالح وجه ابن طاهر يعني نائب بغداد بحاجبه مظفر ومعه غلامين معهما مناديل فيها ثياب وطيب فقالوا الأمير يقرئك السلام ويقول قد فعلت ما لو كان أمير المؤمنين حاضرًا كان يفعل ذلك فقلت أقرئ الأمير السلام وقل له إن أمير المؤمنين قد كان أعفاه في حياته مما يكره، ولا أحب أن أتبعه بعد موته بما كان يكرهه في حياته فعاد وقال يكون شعاره فأعدت عليه مثل ذلك. وقد كان غزلت له الجارية ثوبًا عشاريًّا قوم بثمانية وعشرين درهمًا ليقطع منه قميصين فأدرجناه في ثلاث لفائف واشترينا له حنوطًا وفرغ من غسله وكفناه وحضر نحو مائة من بني هاشم ونحن نكفنه وجعلوا يقبلون جبهته حتى رفعناه على السرير.

قال عبد الله بن أحمد صلى على أبي محمد بن عبد الله بن طاهر غلبنا على الصلاة عليه، وقد كنا صلينا نحن والهاشميون في الدار.

قال صالح وجه ابن طاهر من يصلي عليه قلت أنا فلما صرنا إلى الصحراء إذا ابن طاهر واقف فخطا إلينا خطوات وعزانا ووضع السرير فلما انتظرت هنيهة تقدمت وجعلت أسوي صفوف الناس فجاءني ابن طاهر، فقبض (ابن طالون) على يدي ومحمد بن نضر على يدي وقالوا الأمير فمانعتهم فنحياني وصلى ولم يعلم الناس بذلك - فلما كان من الغد علم الناس فجعلوا يجيئون ويصلون على القبر، ومكث الناس ما شاء الله يأتون فيصلون على القبر.

وحضر جنازته جمع حاشد لم ير مثله في جاهلية أو إسلام وقدرته بعض المراجع بألف ألف وثلثمائة ألف، بينما قدرته مراجع أخرى بسبعمائة ألف، وقيل حضرها من الرجال ثمان مائة ألف ومن النساء ستون ألفًا.

فكانت الجنازة جليلة مهيبة، وحدثًا فذًّا ورزقت من حرص الناس عليها ما جعل الخليفة، الذي كان غائبًا وقتئذٍ عن بغداد يقول لنائبه (محمد بن عبد الله بن طاهر) "طوبى لك محمد .. صليت على أحمد بن حنبل رحمه الله".

ولو أردنا تقصي عناصر القوة والثبات في هذه الشخصية الفريدة لرأيناها كلها تدور حول محور واحد، ذلك هو التجرد لله، الذي قام على أركان منها الإيمان العميق

<<  <  ج: ص:  >  >>