للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان من العادة أن لا يشرع في صيام رمضان إلا بعد رؤية الهلال على التحقيق، أو بشهادة الواحد العدل كما صام مرة بشهادة ابن عمر، ومرة بشهادة أعرابى، واكتفى بمجرد اختبارهما، ولم يكلفهما لفظ الشهادة، فإن لم ير ولم يشهد به أتم شعبان ثلاثين يوما (١)، ثم صام وأمر الناس أن يصوموا بشهادة شخص واحد، ويفطروا بشهادة شخصين، وكان يعجل الفطر (٢) ويواظب على السحور ويؤخره، وأمر الأمة بالسحور وتأخيره، وأمر أن يفطر الصائم بثلاث رطبات، فإن لم يجد فثلاث تمرات، فإن لم يجد فالماء.

وهذا غاية الشفقة على الأمة، لأن الطبيعة أوآن خلو المعدة، تقبل على الطعام أتم إقبال، فإذا كان الحلو أول واصل إلى المعدة ينتفع البدن بقبوله، غاية الانتفاع، على الخصوص القوة الباصرة، فإن انتفاعها بالحلو يكون أزيد من انتفاع سائر القوى، ولما كان التمر حلو الحجاز، وطبائعهم قد نشأت عليه، كان انتفاعهم به أزيد من انتفاعه بغيره من أنواع الحلواء من جهة الطب.

وأما وجهة الشرع، وأسرار ذلك، فالحق جل شأنه جعل تمر المدينة ترياقا، ودواءً لكل الهموم، ببركة سيد العالم، صلوات الله عليه وسلامه، ومن ثم قال: "إن في عجوة العالية شفاء من كل داء وأنها ترياق أول البكرة" (٣) وقال في موضع آخر "من تصبح بسبع تمرات مما بين لابتيها لن يضره ذلك اليوم ولا سحر" (٤).


(١) انظر صحيح البخاري في كتاب الصيام باب (١١) حديث رقم (١٩٠٩ ج ٤ ص ١١٩).
(٢) متفق عليه صحيح البخاري في كتاب الصوم باب (٤٥) تعجيل الإفطار حديث رقم (١٩٥٧ ج ٤ ص ١٩٨)، ومسلم في كتاب الصيام باب فضل السحور وتأكيد استحبابه حديث رقم (١٠٦٨ ج ٢ ص ٧٧١)، والترمذي برقم (٦٩٩ ج ٣ ص ٨٢)، ومالك في كتاب الصيام، باب ما جاء في تعجيل الفطر حديث رقم (٦ ج ١ ص ٢٨٨).
(٣) انظر صحيح ابن خزيمة وابن حبان ومستدرك الحاكم، وسبل السلام (ج ٣ ص ٣١٦).
(٤) انظر المصادر المتقدمة.

<<  <   >  >>