للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكبر مع كل واحدة، وبعد رمى الجمار، قطع التلبية، وفي ركابه أسامة بن زيد، وبلال، أحدهما أخذ بزمام الراحلة، والآخر يظله بمظلة، ليقيه حر الشمس.

ثم رجع إلى منزله، بالقرب من مسجد الخيف، وخطب خطبة بليغة، بلغ صوته إلى جميع أهل الخيام في خيامهم، وهذا من جملة المعجزات النبوية، أعلم فيها بحرمة يوم النحر، وفضله عند الله سبحانه وتعالى، وأمرهم بتعلم مناسك الحج، وقال لعليّ: "لا أحج بعد عامي هذا" وأمر بالسمع والطاعة، للأمراء الداعين إلى كتاب الله، وأنزل الأنصار والمهاجرين منازلهم، وقال: "اعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم" وودع الناس وقال: "ليبلغ الشاهد منكم الغائب" (١).

ثم سار إلى المنحر - وهو موضع مشهور في وسط سوق منى - ونحر ثلاثا وستين بدنة بيده، وهن قيام معقولات، وهذا عدد سنى عمره المبارك، وأمر أمير المؤمنين عليا بنحر تمام المائة، فنحر سبعا وثلاثين، وأمره أن يتصدق بجلالها (٢) وجلودها وأن لا يعطى أجرة الجزار منها، بل من ماله - صلى الله عليه وسلم -.

وأما حديث أنس "أنه نحر سبعا" فتوهم بعضهم أنه معارض لهذا الحديث، وجوابه أن إنسانا شاهد سبعا، ثم غاب، وجابر شاهد تمام ثلاث وستين، وقال بعضهم: نحر سبعا بيده المباركة، إلى تمام ثلاث وستين، كان طرف الحربة بيد النبي - صلى الله عليه وسلم - وطرفها الآخر بيد عليّ، وبعد ثلاث وستين، نحر


(١) أخرجه الشيخان، صحيح البخاري (فتح الباري ج ٨ ص ١٠٧)، وصحيح مسلم (ج ١ ص ٨٢).
(٢) قيل: جل الدابة وجلها. الذي تلبسه لتصان به. والجمع: جلال. وإجلال. قال كثير:
ونرى البرق عارضا مستطيرا ... سرح البلق جلن في الإجلال
وجمع الجلال: أجلة. وجلال كل شيء غطاؤه نحو الحجلة وما أشبهها. وتجليل الفرس: أن تلبسه الجل وتجلله أي علاه. وفي الحديث: "أنه جلل فرسا له سبق بردا عدنيا أي جعل البرد له جلا. وفي حديث ابن عمر: أنه كان يجلل بدنه القباطي. وفي حديث علي: اللهم جلل قتلة عثمان خزيا. أي غطهم به، وألبسهم إياه كما يتجلل الرجال بالثوب. ابن منظور لسان العرب (ج ١ ص ٤٨٨).

<<  <   >  >>