للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذا الطريق أمر الفضل بن العباس، أن يلقط له حصى الجمار، فالتقط سبعا، أخذها - صلى الله عليه وسلم -، على كفه المبارك، وجلا (١) عنها الغبار. وقال: "أمثال هؤلاء فارموا (٢) وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين".

وفي هذه الطريق اعترضته امرأة جميلة من هثعم، وقالت: إن أبي شيخ كبير، لا يستمسك على البعير، فأمرها بالحج عنه، فلاحظها رديفه الفضل بن العباس، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده وقاية، لئلا يتلاحظا.

واعترضته أيضا امرأة وأخبرت أن أمها في غاية العجز، وأنها إن ربطت على البعير فربما هلكت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو كان على أمك دين كنت تقضيه عنها أم لا؟ " فقالت: نعم كنت أقضيه. قال: "فدين الله أولى بالقضاء" ولما بلغ بطن محسر - وهو واد في أول منى - ساق راحلته سوقا شديدا وأسرع الخروج منه (٣). وهكذا جرت العادة النبوية، في جميع المواطن، التي أنزل الله فيها البلاء، على أعدائه، وفي بطن محسر جرى على أصحاب الفيل، ما هو في القرآن.

وسمى محسرا لأن الفيل حسر فيه عن الحركة، وعجز عن السير نحو مكة، وبطن محسر برزخ بين منى والمزدلفة، وليس منهما كما أن عرنة ونمرة، برزخ بين عرفة والمشعر الحرام.

وكذلك لم يزل يحرك رحلته, في الطريق الوسطى، إلى أن هبط في الوادي الذي تجاه جمرة العقبة، فقام - والكعبة على يساره، ومنى على يمينه، ورمى الجمار سبعا - وهو راكب، واحدة بعد واحدة, في مجل الجمرات،


(١) يقال: جلا القوم عن أوطانهم. يجلون، وأجلوا: إذا خرجوا من بلد إلى بلد, وفي حديث الحوض: يرد على رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض. هكذا روى في بعض الطرق أي ينفون ويطردون ويقول ابن الأعرابي: جلاه عن وطنه فجلا. أي طرده فهرب. ابن منظور لسان العرب (ج ١ ص ٤٩١, ٤٩٢) ..
(٢) جاء في لسان العرب "يقال أفرمت الحوض، وأفعمته, وأفأمته: إذا ملأته. قال الجوهرى: أفرمت الإناء: ملأته. ابن منظور لسان العرب (ج ٢ ص ١٠٨٩).
(٣) انظر صحيح مسلم (ج ٢ ص ٨٨٦ - ٨٩٢)، وأبي داود (ج ٢ ص ١٨٢)، والنسائي (ج ٥ ص ١٤٣ - ١٤٤).

<<  <   >  >>