وقد كان نبي الله في هذا الطواف راكبا راحلته، وسبب الركوب قال بعضهم: كثرة الازدحام، أو ليكون مشرفا على الناس ليراه الحاضرون، فيتعلموا الطواف وآدابه.
وقال بعضهم: كان في رجله المباركة عارض يؤذيه، فركب ضرورة، ورجع من حينه إلى منى، وصلى الظهر بها كذا في الصحيحين.
وفي صحيح مسلم أنه صلى الظهر بمكة، وأكثر العلماء يرجحون أنه صلى الظهر بمكة، لأن هذا الحديث رواه صحابيان جابر وعائشة، وذاك رواه ابن عمر.
الثاني: أن عائشة أخص وأعلم بأحواله، وبعضهم يرجح حديث ابن عمر لأنه متفق عليه، وليس فيه اضطراب، ورجال إسناده أعظم وأجل.
ولما رجع إلى منى بات بها، وأقام في اليوم الثاني إلى أن زالت الشمس، فسار على قدميه، قبل أداء صلاة الظهر نحو الجمرة الأولى، وهي التي تلى مسجد الخيف، ورمى سبعا يكبر مع كل، ولما فرغ من الرمى، تقدم قليلا إلى السهل، واستقبل القبلة، ودعا قدر سورة البقرة.
ولما فرغ من الدعاء أتى الجمرة الوسطى، ورمى كما فعل الأولى، وأخذ على الطريق اليسرى، ومشى خطوات، نحو وسط الوادي، ودعا قدر ما دعا في الأولى، وسار نحو جمرة العقبة واستقبلها، وجعل الكعبة على يساره، ومنى على يمينه، ورمى ورجع من حينه، ولم يشتغل بالدعاء، ولهذا وجهان:
إحداهما: أنه كان زحام عظيم ولم يتيسر الوقوف.
الثاني: أن دعاء هذه العبادة، كان قد أتى به في صلب العبادات، والدعاء في صلب العبادة، أفضل منه في غير العبادة، وكذا دعاء الصلاة غالبا كان في آخر التشهد قبل السلام، ولم يتعجل في النفر بل أقام ثلاثا، وبعد الرابع السبت، والأحد، والاثنين، وبعد الزوال من يوم الثلاثاء رمى، وسار إلى المحصب - وهو موضع خارج مكة يقال له الأبطح أيضا - فنزل به،