السنّة لمن كان على القبر أن يحثي في القبر ثلاث حثيات بيديه جميعًا من قِبل رأسه. قال جماعة من أصحابنا: يُستحبّ أن يقول في الحثية الأولى: {مِنْها خَلَقْناكُم} وفي الثانية: {وفِيها نُعِيدُكُمْ} وفي الثالثة: {وَمِنْها نُخرِجُكُمْ تارَةً أُخْرَى}[طه:٥٦]. ويُستحبّ أن يقعد عنده بعد الفراغ ساعة قدر ما يُنحر جزور ويُقسم لحمُها، ويشتغل القاعدون بتلاوة القرآن، والدعاء للميت، والوعظ، وحكايات أهل الخير، وأحوال الصالحين.
[١/ ٤١٧] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عليّ رضي الله عنه قال:
كنّا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقعدَ وقعدنا حولَه ومعه مِخصَرَة، فنكسَ وجعلَ ينكتُ بمخصرته، ثم قال: "ما مِنْكُمْ مِنْ
[٤١٧] البخاري (١٣٦٢)، ومسلم (٢٦٤٧)، وأبو داود (٤٦٩٤)، والترمذي (٢١٣٧) و (٣٣٤١). ومعنى "مِخْصَرَة" بكسر الميم وإسكان الخاء المعجمة وفتح الصاد والراء المهملتين، وهو كما في النهاية: ما يختصره الإنسان بيده فيمسكه من عصا أو عكازة أو مِقرعة أو قضيب، وهو يتكىء عليه. و"ينكت": وفي نسخة: ينكت في الأرض، في الصحاح: ينكت في الأرض بقضيب: أي يضرب ليؤثر فيها. وفي النهاية: ينكت الأرض بقضيب: هو أن يؤثر فيها بطرقه، فعل المفكر المهموم. و"فكلّ ميسر لما خلق له": قال شارح الأنوار السنية: قال ابن الجوزي: الميسر للشيء: المهيأ له المصرف فيه، والتيسير: التسهيل للفعل، وإنما أراد أن يكونوا في عملهم الظاهر خائفين مما سبق به القضاء فيحسن السير بين العمل وقائد الخوف.